كنتُ قد تناولتُ أكثر من مرة قضية حوادث السيارات في المجتمع السعودي وما تسببه من وفيّات وإصابات وخاصة في فئة الشباب، ولا أجدُني في مزاج يُسعفني لتناولها بشكل مفصّل، أو تضييع وقتي في البحث عن أخبار وإحصاءات وأرقام متكررة مُتواترة معلومة للقاصي والداني، تُظهر حجم المأساة الإنسانية التي ابتُلي بها المجتمع السعودي، دون بوادر حلول قيّمة ولا خطوات جادة مُعتبرة لوضع حد لهذه المهزلة الدرامية. لكني أحببت التعبير عن ذهولي من استمرار المُشكلات المرورية الصارخة، وتردّي أوضاع كثير من الطرق التي تدعو باهتراء بنيتها الأساسية والتفافاتها اللولبية المفاجئة وغياب اللوحات التحذيرية وقصور الرقابة، إلى مزيد من الحوادث القاتلة، لولا لطف الله، والتصريح بخوفي العميق حين أقود سيارتي في شوارع جدة -على سبيل المثال- وخشيتي الدفينة على أهلي وأحبابي من تعرّضهم -لا سمح الله - لما لا يُحمَد عُقباه خلال تنقّلاتهم في طُرقات تشبه حرب الشوارع، نتيجة انتشار عدد من المتهوّرين المعتلّين أخلاقيا، فاقدي الذوق السليم والعقل الرشيد. ومع الاهتمام الرسمي بتنفيذ بنود رؤية (2030)، والتي تُولي حماية مقدَّرات الإنسان أوّلياتها، وتهدف للحدّ من الفساد والهدر المالي والاهتمام برفاهية المواطن، أجد من الجهات المختصة تراخيًا واضحًا في الحد من هدر الدماء على الطُّرُقات، وغياب رؤية ثاقبة وجديّة في تنفيذ أنظمة وقوانين صارمة من خلال مشروع وطني يعالج الأرقام المروّعة والنسب المرتفعة عالميًا لحوادث السيارات في المملكة، فسلوكيات لا يحكمها وازعٌ من أخلاق ولا رادعٌ من نظام، تتكرر بشكل منتظم يبدو أنه الأصل، وأن احترام الطريق وإعطاءه حقه صار من شواذ السلوك، وخاصة مع قصور «المرور» عن رصد المخالفات المُريعة، وفشل ما يسمى «التوعية المرورية» التقليدية، ليقف العاقل أمام ذلك كلّه مُحبَطا صامتا، إلا من الحوْقلة والحسْبلة. وأختم بخبر نشرته صحيفة «الوطن» السعودية (5 ديسمبر 2016) نقلا عن «الإندبندنت» البريطانية بشأن توجه الحكومة البريطانية لإقرار قانون جديد يقضي بتغليظ العُقوبات على السائقين الخطرين إلى «السجن مدى الحياة»، فوفقًا للصحيفة، فإن الذين يتسببون في قتل غيرهم بسبب السرعة المفرطة أو التسابق على الطرقات أو أثناء استعمال الهاتف النقال أو تحت تأثير المُسكر أو المُخدّرات، سيكونون ضمن الذين يتلقون أقسى العقوبات.