إطلالتي اليوم على غير عادتها فالنفس مكسورة والمشاعر مضطربة؛ والسواد اكتسى زاويتي وغلف سطورها؛ صدقوني لأول مرة اجد قلمي المطواع معانداً يقف ببداية السطر متصلبا؛ صَعُب عليه البوح بمرارة الفقد الكبير وأسى الفراق؛ وحُقّ لقلم مسكون بالحزن أن يتمنّع ويضعف أمام الموقف العصيب والمصاب الجلل؛ لكن نحمد الله أن وهبنا نفوسا مؤمنة؛ استسلمت للقضاء والقدر بالاسترجاع والحوقلة؛ ولا حيلة في قلوب منفطرة؛ على فراق أحد رجالات بيشة وأعلام الوطن (الاستاذ سياف المعاوي)؛ رئيس المجلس البلدي؛ وعضو اتحاد كرة القدم السعودي؛ ورئيس مجلس ادارة نادي النخيل ببيشة؛ الذي قضى نحبه في حادث تصادم مروع؛ ليرحل عنا لجوار ربه رجل من طراز نادر؛ شهد له من عرفه بالخيرية والخلق الجم والسجايا الطيبة؛ والناس شهداء الله في أرضه؛ فالكم الهائل من التفاعل السريع مع وفاته عبر قنوات التواصل الاجتماعي؛ أظهرت للعلن الجانب الخفي من شخصية الفقيد الإنسانية؛ التي أنبأتنا عن خبيئة للفقيد ادخر أجرها عند ربه؛ وصدق من قال (موعدنا يوم الجنائز)؛ فهي المعيار الحقيقي والمعتبر الذي لا مجاملة فيه؛ لمحبة الناس وتقديرهم لإنسان ما؛ فمن رأى حشد المصلين الذين ضاقت بهم جنبات جامع إمام الدعوة؛ ومن ثم التواجد المهيب للجموع الغفيرة في مقبرة (جميع)؛ يعرف أن بيشة لم تفقد فردا عاديا؛ فسياف رحمه الله تَمَلّك قلوب الناس بأخلاقه وتعامله؛ فبادلوه حبا ووفاء في يوم وداعه الأخير؛ ويتواصل الوفاء والتكريم وهذه المرة عن طريق رأس الهرم الكروي السعودي؛ فحضور شخص رئيس الاتحاد السعودي لكرة القدم الأستاذ أحمد عيد؛ لمقر اسرة الفقيد ناقلا تعزية القيادة الرياضية؛ كان له الأثر الطيب؛ ويشكر على تجاوبه مع مطالب الرياضيين في بيشة ببناء مسجد للفقيد بمقر نادي النخيل؛ وإطلاق اسمه رحمه الله على إحدى مسابقات الاتحاد السعودي لكرة القدم الرياضية!!. سياف رحمه الله راح ضحية طريق يفتقد للرقابة المرورية وغياب التغطية الرادارية؛ فالقاسم المشترك لمئات الحوادث المميتة وفقدان 17إنسانا يومياً؛ هو السرعة الجنونية المتهورة؛ وعدم احترام أنظمة المرور بالجملة؛ فالسرعة الزائدة مسئولة عن 65% من الحوادث؛ لذلك ستبقى "صواوين" العزاء منصوبة ومتنقلة يومياً أو قل بالساعة؛ بين منطقة للأخرى ومن حي لآخر؛ فلا تجد بيتا سعوديا إلا وبه فقيد أو مصاب؛ وسيستمر النزف البشري والمادي الفادح؛ طالما أن هناك متهورين ومستهترين بأرواح الناس وأرواحهم؛ يقودون حرب طرق شرسة ضحاياها عام 2013 فقط تجاوز 7638 وفاة؛ رقم مخيف لم تسجل نسبة بسيطة منه حرب حقيقية على الحد الجنوبي؛ لتمنحنا منظمة الصحة العالمية المرتبة الأولى في وفيات الحوادث!!. رغم جهود الجهات الرسمية والمبادرات الأهلية؛ ومساهمتهم في التوعية المرورية وتثقيف الناس؛ بإقامة الندوات وتوزيع النشرات وعمل الدراسات والأبحاث العلمية؛ وهي جهود مقدرة من أجل تعزيز مفهوم السلامة المرورية والحد من الحوادث المفجعة؛ إلا أن هذه الجهود فاعليتها بقيت دون المأمول ولم تؤت النتائج المرضية للحد من الوفيات؛ فعدد الوفيات والإعاقات والمصابين في ازدياد مطرد؛ والحقيقة إن لم يواز التوعية والتثقيف؛ نظام حازم وأحكام صارمة ورادعة تفرض هيبة النظام المروري؛ من خلال محاكم مرورية متخصصة هي غير متوفرة حتى الآن؛ وإلا سنبقى متصدرين للعالم في نسبة الوفيات ب72% من أعداد المتوفين بسبب الحوادث؛ ولن نستفيد من 13مليار كخسائر مالية تهدر سنويا؛ وسنفقد عام 2019حسب دراسة استقصائية لشركة أرامكو 9604 حالات وفاة ناتجة عن الحوادث المروية؛ فإجراءات المرور الجزائية والعقوبات المادية الحالية؛ ليست كافية أبداً لحقن الدماء ومعالجة سلوكيات القيادة الخاطئة!!