تعتبر مصادقة الناخبين على حظر بناء المآذن في سويسرا، والذي تبناه حزبان من اليمين المتطرف، عقبة في طريق تعزيز الحوار بين الأديان والثقافات، والتعايش السلمي بين الشعوب في عالم تسوده العولمة، إضافة إلى تكريس مشاعر الكراهية والعداء بين الشعوب، وتهديد التعايش السلمي بين المسلمين وأصحاب الديانات الأخرى، مع أن المادة 15 من الدستور السويسري تنص على أن: (حرية الاعتقاد والفلسفة مكفولة؛ فكل واحد له الحرية في اعتناق الأديان والعقائد، وأن يمارسها، سواء كان وحيداً، أو داخل جماعة. وللجميع الحق في الانضمام إلى أي جماعة دينية، وأن يتبع التعاليم الدينية، ولا يجوز إكراه أحد على الانضمام إلى جماعة دينية، أو ممارسة شعيرة دينية، أو اتباع تعاليم دينية بعينها). قرار حظر بناء المآذن تم بإجراء دستوري، اعتبر بناء المآذن رمزاً سياسياً ودينياً؛ مما يعكس مخاوف المجتمع السويسري من الدين الإسلامي، وتصاعد موجة عنصرية، ويمين متطرف في أوروبا؛ حيث أصبح التصويت على حظر بناء مآذن جديدة سابقة ينسج على منوالها العديد من الدول الأوروبية - كهولندا وبلجيكا وفرنساوإيطاليا -، والتي طالبت بإجراء مماثل. ولا شك أن القرار يعتبر شكلاً من أشكال العنصرية ضد الدين الإسلامي وأتباعه، لا يخدم سوى مصالح أقليات متعصبة على كلا الجانبين. وأخطر ما في الموضوع أن قراراً كهذا قد يثير الفكر المتطرف، ويذكي نار الفتنة بين الأديان، مع أن المسلمين في سويسرا، والبالغ عددهم 400 ألف مسلم، ليسوا من المتطرفين في أغلبيتهم، بل هم مندمجون في المجتمع بشكل طبيعي. نتائج الاستفتاء تعكس قيوداً على حرية الممارسات الدينية، وهو ما يخشاه مسلمو أوروبا، من أن تجد مثل هذه الإجراءات في قارة قامت ثقافتها - السياسية والاجتماعية - في الأصل، على أسس ليبرالية بحتة، تفصل بين السلطة والدين، ولا سيما أن هناك مواقف تؤيد مثل هذا الاتجاه، كمنع الحجاب في مدارس فرنسا، والتضييق على بناء المساجد في بريطانيا وألمانيا، والمطالبة بتفتيش المساجد في إيطاليا بحجة الخوف من الإرهاب، مع ملاحظة: أن دور العبادات التابعة لجميع الديانات الأخرى في سويسرا، لم تتعرض لأي تقييد، وأخشى ما أخشاه أن يعتبر القرار موافقة رسمية على اعتبار الإسلام ديناً يحرض على العنف والكراهية. صحيح أن قرار حظر بناء مآذن جديدة في سويسرا، قوبل بردود فعل مستنكرة على مستوى العالم، ومن ذلك: انتقاد الفاتيكان للقرار؛ باعتباره ينسف مبدأ حرية الأديان ويزيد من تعقيدات التعايش بينها، واستنكار رئيس الوزراء السويدي للقرار وأنه: مؤشر على التعصب والخوف، ومثله تصريح وزير الخارجية الفرنسي حين وصف الاستفتاء، بأنه: انعكاس لعدم التسامح، مشدداً على رفضه لذلك؛ مما يستلزم التنسيق بين الدول العربية؛ للتعامل مع الأزمة بشكل جاد، وضرورة مراعاة المواثيق الدولية بهذا الشأن، من خلال حرية ممارسة العقيدة، خصوصاً أنها صدرت من بلد يقدس حقوق الإنسان، ويرفع شعار الديمقراطية، ومخاطبة البرلمان السويسري للتصدي لهذا القرار عن طريق الحوار، والتعريف بالإسلام بصورته النقية، والتأكيد على الفصل بينه وبين التطرف، وأن يكون الإسلام نتيجة علاقات إسلامية مع دول أوروبية كعقيدة وعبادات، وليس نتيجة استفتاءات، وهذا هو الذكاء في معالجة الموقف، دون أن نستجر إلى استفزازات أخرى تؤجج التطرف. وحتى تبقى الأمور في حدودها، فإن ما حصل يشكل سابقة خطيرة، من شأنه أن يفتح الباب على مصراعيه، حول حقيقة التسامح في حرية العقيدة والعبادة. كما يشكل نوعاً من التحريض على المسلمين، وانتهاكاً لحقوق الإنسان والأعراف الديمقراطية؛ إذ إن الحريات الدينية لا تخضع للاستفتاء.