يقول لي صديقي الذي عاش جزءًا من طفولته في البادية: إنه يبدأ صباحه اليومي بالتأمل من شباك غرفته المطلة على الأراضي البيضاء في الحي الذي يسكنه شمال الرياض، وينزعج كثيراً حينما يرى البناء قرب بيته، فهو يستمتع بالرؤية إلى نهاية حدود نظره دون أن تحد رؤيته المباني، والعجيب في الأمر أن صديقي رجل صاحب فكر وثقافة عالية. يقول ابن خلدون في المقدمة: (إذا وطأتَ أرضاً ووجدت بها نخيلاً فاعلم أن العرب قد سكنوا هذه الأرض) ويقول أيضاً: (إن سكان السواحل يتميزون بالسماحة والهدوء). يكثر الحديث هذه الأيام مع اقتراب صدور نظام الرهن العقاري، حول الأزمة الإسكانية، وعن مدى قدرة العرض على تلبية الطلب الهائل للوحدات السكنية، ويكثر الحديث أيضا، عن حلول وأفكار لإيجاد مسكن ميسر يناسب قدرات واحتياجات الشريحة الأكبر من متوسطي الدخل. وأقول إنه على المطورين العقاريين والمهندسين الخروج بهذه الأفكار من خلال دراسة الأبعاد النفسية والثقافية للأسرة السعودية، ولا ننسى البعد الجغرافي وثقافة البيئة الصحراوية التي تمثل الجزء الأكبر من بلادنا، فمثلاً إذا كنتَ في إحدى مدن الريف الأوروبي أو حتى في بيروت، سيلفت انتباهك الاستغلال العجيب للمساحات، والأعجب من ذلك هو التماشي مع طبيعة الأرض الجبلية هنالك، فهم يبنون مساكنهم بناءً عن طبيعة الجبل ويتعايشون مع ارتفاعاته وانخفاضه، ولا يساوونه بالأرض كما نقوم بذلك نحن! وربما ذلك يكشف لنا الطبيعة الفكرية والثقافية لإنسان تلك الأرض الذي يتعايش ويسايس الاختلاف ولا يتعامل بالشكل الواحد والرأي الواحد! ولو تأملنا في أسباب ارتفاع تكلفة المساكن لدينا، فلاشك أن سعر الأراضي يشكل العائق الأكبر، والسبب في ذلك يعود إلى (المضاربة في الأراضي كسبب ناتج عن صعوبة وتأخر اعتماد المخططات من الشؤون البلدية، وتأخر الأمانات والبلديات في تنفيذ الطرق والخدمات المؤدية إلى الأراضي البعيدة ذات السعر الأقل). ومن الواجب علينا أن نفكر بطريقة مختلفة لكي لا نمارس السذاجة التي يعرّفها آينشتاين بقوله: (أن تمارس نفس العمل، بنفس الطريقة، وتتوقع نتائج مختلفة!) وفي رأيي أنه من الحلول الممكنة هي (تطوير أبراج سكنية في المخططات القائمة) وذلك يتطلب تراخيصاً متعددة الأدوار من قبل الأمانات والبلديات، ويتطلب جهداً جاداً علمياً وعملياً من قبل المطورين العقاريين، لدراسة وتحليل احتياجات وقدرات الشريحة المستهدفة للسكن، واضعين في الاعتبار الخلفية الثقافية والنفسية للسعوديين والطبيعة الجغرافية المؤثرة على الثقافة، من خلال دراسات متأنية وعلمية، عبر استبانات وتحليل متعدد الأبعاد، مستغلين المساحات والارتفاعات الخافضة لتكلفة الأراضي، مع عدم إغفال جوانب الخصوصية، وحرارة الجو، فلا نبني بلكونات تطل على الصحراء بناءً على قصة صديقي فذلك مستحيل، ولا أن نحولها إلى صناديق متراصة فوق بعضها البعض كما في الصين، بل يتم ذلك عبر تحليل علمي عميق، مع الاستفادة من تجارب الآخرين، ولا شك أن ما ينفع جدة أو الشرقية لا يصلح في الرياض أو القصيم، كما أن الأسعار والرغبات والمعوقات تختلف أيضاً من منطقة إلى أخرى. كما يجب أن لا ننسَ حاجة السعودي إلى الحدائق، فهو متعطشٌ للاخضرار بقدر تعطشه للمطر وبقدر تعطش البريطاني للشمس. كاتب ورجل أعمال majed alomari