منذ بزوغ شمس الذكاء الاصطناعي، واعتباره رأس الحربة في الثورة الصناعية الرابعة، ظهرت آراء متشعبة حول الإيجابيات والسلبيات المحتملة، ففيما يزعم المؤيدون للذكاء الاصطناعي أنه سيقضي على الأعمال الروتينية الشاقة التي تتطلب جهدًا عقلياً، مما يمنحنا الوقت اللازم لاستكشاف شغفنا وتطوير مهاراتنا، يخشى المنتقدون أن يؤدي إلى القضاء على 300 مليون وظيفة بنهاية 2030، وهؤلاء يعتقدون أن قدرة الذكاء الاصطناعي المتزايدة على إنتاج الأعمال الفنية واللوحات والقصائد، بطريقة مماثلة أو تفوق الإبداع البشري، هو مقدمة للقضاء على آخر المعاقل الاستثنائية للبشر. في الآونة الأخيرة، ارتفعت بعض الأصوات في الغرب مؤكدة أن قدرات الذكاء الاصطناعي مبالغاً فيها بعض الشيء، ورفضت هذه الأصوات العاقلة فكرة أن عمل الآلات المذهل من قبيل العبقرية كما يتوهم البعض، وهذا الأمر يجب أن يكون دافعاً للبشر لكي يتخلص من أسوأ مخاوفه إزاء التكنولوجيا، وإذا كان الأمر يتطلب قلقاً معقولاً بخصوص الاضطرابات الاجتماعية والاقتصادية المحتملة لهذه التكنولوجيا الفائقة، إلا أننا لا يجب أن نفقد الثقة بأنفسنا، فالأمر يتطلب توازن بين الاعتراف بأهمية التكنولوجيا وتطويعها للاستفادة منها، وبين تقدير قدرات البشر باعتبارهم الممول الرئيس للبيانات الضخمة التي يتم تعبئتها في الروبوتات وأجهزة الكمبيوتر، ولهذا، لا يمكن تحت أي ظرف هدم أسطورة الإبداع البشري، أو المساواة بين عبقرية البشر وذكاء الآلة. تتجسد مخاوف الذكاء الاصطناعي، في امتلاء البعض بفكرة أن الثقافة مجرد لعبة تحركها قوة عقلية، أو خوارزميات، ولهذا، يشعرون بالرعب من أن تثبت خوارزمية أخرى أنها أكثر قوة منا في هذه اللعبة العقلية، ولكي نزيل هذا الشعور الخاطئ، الذي لا يتسق مع تجاربنا السابقة خلال كافة الثورات الصناعية، فإننا يجب أن نعترف بعبقرية الإنسان في مواجهة ذكاء الآلة، فالذكاء البشري يتفوق في الإبداع وحل المشكلات، والقدرة على فهم العالم، في حين يتمتع الذكاء الآلي بالقدرة على التفوق في القوة الحسابية والتعرف على الأنماط وتحليل البيانات، ويكمن مفتاح سد الفجوة بين الذكاء البشري والذكاء الآلي في تطوير الهياكل المعرفية وخوارزميات التعلم والأطر الأخلاقية. والحقيقة، أن البشر يتخوفون من أن تظهر تنبؤات الذكاء الاصطناعي بأنه ليس مجرد آلات ذكية فقط، وأنه يمتلك مشاعر إنسانية، والبعض منهمك بالفعل في إجراء تجارب في هذا الاتجاه، ولكن، من حسن الحظ، أنه لا أحد يزعم بعبقرية الكمبيوتر أو الروبوتات، في المقابل، هناك تاريخ بشري زاهر في العبقرية، وبوسعنا أن نعدد مئات العباقرة والمخترعين والمبدعين عبر التاريخ الإنساني، وإذا افترضنا مثلاً أن 2% فقط من سكان أي دولة هم عباقرة حقيقيون، فإن حوالي 6 ملايين شخص ينطبق عليهم هذا الوصف في الولاياتالمتحدة وحدها، وأنه يوجد في العالم الآن قرابة 130 مليون عبقري، والخلاصة، أن الإيمان بعبقرية البشر يعني إمكانية تغيير الأمور إلى الأفضل، والحفاظ المطلق على سيادة الإنسان على الآلة، ويعني أيضاً الاعتراف بأن الأعمال الإبداعية العظيمة وجدت، لكي نواجهها ونختبرها ونبني عليها، وليس فقط لكي نعيد تدويرها.