الأصل في مرور الأيام وتعاقب الأزمنة على بني البشر، أن يزدادوا حكمةً ودرايةً وخبرةً بظواهر الأمور وبواطنها.. وعادةً ما تلجأ المجتمعات إلى ذوي التجربة من أبنائها؛ لينقذوها من مزالق الأحوال وأصداف الليالي والأيام.. لكن المتأمل في بعض أحوالنا يرى عجباً؛ فمنا مَن يبدو أن الأيام والليالي لم تزده بل أنقصته، ولم تكسبه خبرةً بل زادته حيرةً.. ومن أبرز وجوهنا الثقافية تلك، ما ظن نفر منا أنه (دراما) أو أنه (كوميديا). سأعرض اليوم صفحاً عن أهل التجارب اليافعة من هؤلاء، على الرغم مما يمكن قوله في حق ما نالنا من حضورهم المأزوم ثقافياً، والموجع اجتماعياً، والأجوف فكرياً. وليسمح لي كل من (ناصر) و(عبدالله) أن أطارحهما الرأي والفكرة هذا اليوم. يا رواد صناعة (الكوميديا) عندنا، رفقاً بوعينا الثقافي، ورفقاً بأطرنا الاجتماعية، ورفقاً بأعرافنا الرسمية. جميل ما يبدو أنكما تودان قوله وفعله، كما ظهر ويظهر من موضوعات حلقاتكما إجمالاً، لسنين قاربت العقدين من الزمان. وهنيئاً لنا ولكما ببعض حلقات هادفة جميلة.. ربما (نزعها عرق من هنا أو هناك) من وسط ركام إنتاجكما المجحف في حق كتلتنا المجتمعية عليكما.. غريب أمركما.. كلما تقدمت بكما السنوات، وزادت عندكما الخبرات، أعيتكما مهنتكما؛ حتى فَلَتَ منكما عقال المعالجة الفنية، ومقود الحبكة الدرامية.. وفقدتما (المعادل الموضوعي) في قصتكما..؛ فبرزت (كوميديا الشخصية) بدلاً من (كوميديا الموقف)..؛ فأصبحت روايتكما لواقعنا رواية لا ترضينا.. و(شخصنتكما) لآحادنا نمطاً ممسوخاً لا نراه، في غالب الأحوال، إلا عندكما..؛ فصارت صورتنا التي تنقلونها إلى الآخر (مسخاً) لا يمكن لنقاد الأدب والدراما قبوله ممن خبروا المجتمع ووقفوا على حقائقه.. معادلة مقلوبة.. كأغرب حالة انتكاسة للمفاهيم والسلوكيات.. وكأغرب تطوّر عكسي للعقل البشري. فماذا دهى وعيكما الثقافي؟ وما الذي نال من حسكما الاجتماعي؟ حتى جعلتما حسننا سيئاً.. وسيئنا خاصاً بنا من دون العالمين. أيها الأخوان الأكرمان.. لا أحسب مما يغيب عنكما أن من القبيح أن يرانا الآخرون بهذا السوء الذي تصران عليه.. فإن ما بدا من سوء تصويركما لواقعنا المجتمعي في كثير من المواقف التي حسبتموها (كوميدية) لأمر يجعل الولدان شيباً.. فيقل عندكما أن يكون (الموقف) درامياً كوميدياً محترفاً، بقدر ما يكون شخصية ساذجة مجحفة..، فإلى أين أنتما آخذان بنا..؟ إذ بقدر ما تتجاهلان ثراءنا الفكري والثقافي، تبدو معالجتكما وليدة اللحظة ورهن الارتجال.. وبقدر ما تعوزكما الفكرة.. وينقصكما النص (الرفيع)، تعبثان بكثير من مدخراتنا التنموية، ماضياً وحاضراً، وتوجعان تطلعاتنا لمستقبل أكثر إشراقاً. أيها العزيزان على قلبي وعلى قلب جل جماهيركما محلياً وعربياً.. لن أزايد على وطنيتكما.. ولن أُعرّض بالنيل من ولائكما لثوابتنا ومبادئنا.. ولكن.. رفقاً بنا.. رفقاً بنا وحسب.. واسمحا لي أيها الرائدان.. أن أضرب لكما مثالاً واحداً تتضح به المقالة.. وتنجلي به الغاية.. ففي حلقتكما (لا للرز) جهد تنفيذي كبير.. لكنكما - ككثير جداً من حلقاتكما - أوغلتما في (كوميديا الشخصية) حتى أوجعتمانا.. وفقدتما (الفكرة) البناءة.. كما أعوزكما (النص) المحترم.. فآذيتما كياننا الثقافي.. وأوجعتما نسقنا الاجتماعي.. ونلتما من رموزنا الرسمية. وكل ذلك فعلتماه باسم (الكوميديا). أيها (الكبيران بعطائهما).. ليس من (الكوميديا) أن (نأكل التراب) أو أن (نشرب الهواء) على لسان وزرائنا؛ فلو لم يكن في حلقتكما تلك إلا هذه.. لكفتكما هبوطاً في (اللا كوميديا) وفي أزمة (اللا نص) اللتين لا تزالان تعانيان منهما دون تقدم نوعي ملحوظ لديكما في مواجهتها لسنوات عجاف مضت. عجباً لأمركما.. دونكما (كوميديا) بلاد ما بين البحر والجبل.. تلك (الكوميديا) الراقية رغم كل ما تناله.. وكل من تناله من حقائق وشخصيات حسية، ومعنوية، وسياسية، واجتماعية، واقتصادية.. لكنهم أبداً لا يقودون للإيحاء بسذاجة المجموع من أبناء جنسهم؛ لأن (الكوميديا) عندهم (كوميديا موقف)، والتعبير عن (الشخصيات) إنما يأتي في سياق راق صنعه (نص) درامي مثير للتقدير والاحترام.. رغم إيغاله في (الكوميديا). فماذا أنتما فاعلان؟ فقط أدركا.. أن كفى إصراراً على أن تُضحكانا على أحوالنا، وتُضحِكا غيرنا علينا.. عوضاً عن أن نضحك من (مواقف) عندنا.. يدفعنا نقدُكما الكوميدي لها أن نراجعها.. لأنكما اخترتما من خريطتنا الثقافية والاجتماعية فأحسنتما.. وقلتما فأبدعتما.. فهل إلى ذلك من سبيل أيها الرفيقان؟ أما إن أعوزتكما الحيلة فلا تهجرانا.. فنحن لا نزال - رغم سوءاتكما - نترقب (طلتكما).. تلك (الطلة) التي نجعل (دوماً) أكفنا على قلوبنا قبلها.. و(نهز) (غالباً) رؤوسنا غضاباً محزونين بعدها.. فأنتما.. دون ريب ولا مجاملة.. ثروة وطنية كبرى.. لكما شواهد ومَشاهد في مسيرتنا.. لكنكما.. مع ذلك.. تعوزكما (مصافٍ) تُنقي شوائب عطائكما.. فأين عساها أن تكون؟ إن كان لي من نصيحة محب لكما.. متابع لصفعاتكما لنا.. فإني أقول: أنشئا مجلساً استشارياً قديراً.. ليكون لكما سنداً.. ويعمل طول العام.. يعمل على دعمكما ب(الفكرة).. ويصوغ لكما (الحبكة الدرامية).. ويبني لكما (النص).. النص (الدرامي) (الكوميدي) بكل خصائصه وسماته اللفظية والشخصية.. والمكانية.. ومن ثم.. يبين لكما.. بشكل أفضل.. كيف يمكن أن يكون التعبير (الكوميدي) عنّا.. والنقد (الدرامي) لحقائقنا ومشاكلنا.. فحينها.. نتابعكما.. فتُشرح صدورنا لكما.. ويضحك منا الناس عوضاً عن أن يضحكوا علينا.. والأهم في هذا الأمر كله.. أن تبقى خصائصنا (الجمعية) الثقافية والاجتماعية سامية كما هي دون تقبيح مشين لها.. وعندها أيها الأخوان.. نقف احتراماً لفنكما.. ويقف الآخرون البعيدون عنا عن السخرية منا.. وعن التعميم الأحمق.. للصورة الحمقى.. التي أقحمتمانا فيها.. دون قصد.. بالتأكيد.. لكن دون وعي منكما.. أيضاً.. أقول لكما ذلك.. لأنكما (الأكبران) عندنا.. و(الأعمقان) في وعينا ووعي أبنائنا.. و(الأجدران) بالأخذ بصناعة (الكوميديا) عندنا نحو مراقي الكرام.. أما كثيرون ممن هم دونكما.. ممن قاسموكما ساعات بث الفضائيات.. فشأوهم في شأننا الفكري والثقافي حقيق بنقد درامي فكري ثقافي عميق.. وجدير بمداخلات قادمة.. لكنها معهم.. دون صحائف جرائدنا ومجلاتنا.. فالأمر عندهم أدهى وأمر. [email protected]