تتوالى الهزائم على أمتنا الإسلامية والعربية، وتأتي النكبات متلاحقة والنكسات متتابعة، فلا تصحو الأمة من هول نكبة حتى تستلم الأخرى، تجرع العرب مرارة معاهدة سايكس بيكو عام 1915م، التي تم بموجبها تقاسم الدول العربية من قبل القوى العظمى حينئذ وعلى رأسها بريطانيا وفرنسا. ثم أسقطت الدولة العثمانية الإسلامية بهزيمتها في الحرب العالمية الأولى، ثم أعلن قيام دولة اليهود عام 1948م على فلسطين التي اقتُطع نصفها وشُرّد شعبها، وأرعدنا وأزبدنا، وتبارينا في الخطب والمظاهرات والشعارات التي لم يقطع ضجيجها إلاّ هدير الطائرات الإسرائيلية في حرب 1967م واستيلاء اليهود على النصف المتبقي من فلسطين ومعها مثلها من بلدان عربية أخرى. ثم اجتاحت إسرائيل لبنان من جنوبه إلى شماله، وقامت بمذابح صبرا وشاتيلا عام 1982م، ثم دمرت إسرائيل المفاعل العراقي في بغداد، ثم قامت أمريكا بقصف ليبيا بطائراتها، ثم احتلت العراق عام 2003م ودمرت حضارته تدميراً متعمداً أمام عيون العالم المتحضر، وجعجع العرب بلا طحن، وطحنت إسرائيل بلا جعجعة. وسرنا على خارطة الطريق التي رسمها لنا بوش، ولما أدركنا التعب والظمأ أوردنا مبادرة الخريف ومؤتمر أنابولس لنعتاض عن الماء بالسراب لبعض الوقت، أو ريثما تكمل إسرائيل بعض خططها وبرامجها. وفي الوقت الذي كنا نسير فيه على طريق خارطة بوش كان بلير يمنينا بابتسامته المشهورة بما ستتوصل إليه لجنته الرباعية من حلول عادلة للقضية الفلسطينية. ولأن بوش كان حريصاً على إيصالنا لنقطة النهاية من خارطة الطريق قبل أن يترك الرئاسة؛ فقد كان من الضروري أن يخصص العشرين يوماً الأخيرة من رئاسته البالغة ثماني سنوات لنقطة النهاية، وقد كانت مذبحة غزة التي لم يشهد التاريخ لها مثيلاً! لم يشهد لها مثيلاً؛ لأنها كانت بين دولة غاصبة وشعب مغتصب، وبين دولة مدعومة من القوى العظمى سياسياً وعسكرياً وبين مدينة محاصرة اقتصادياً وعسكرياً وسياسياً. بين طرف يملك الطائرات والدبابات والقنابل المدمرة وبين شعب لا يملك حتى الكهرباء والماء! أما بلير وشركاؤه الأوروبيون في اللجنة الرباعية؛ فقد أجادوا المماطلة لسنوات عدة، لكنهم عندما بدأت إسرائيل بضرب غزة لم يتأخروا لحظة واحدة في تأكيد مشروعية ما تقوم به إسرائيل حتى وإن استخدمت الأسلحة المحرمة شرعياً، حتى وإن هدمت المدارس والمساجد، حتى وإن ضربت مؤسسات الإغاثة الإنسانية التابعة للأمم المتحدة، حتى وإن ضربت سيارات الإسعاف والمستشفيات الغاصة بالمرضى والمصابين.. أما أهل غزة المحاصرون بعقاب جماعي منذ ثلاث سنوات فلم يحظوا بتعاطف بلير وميركل وساركوزي ليس طيلة السنوات الماضية فقط؛ بل حتى وقنابل إسرائيل ودباباتها تشعل سماء غزة فوق رؤوس الأطفال والنساء بنيران القنابل الفسفورية وشظايا اليورانيوم المخصب! إن المشكلة ليست في بوش وبلير وساركوزي وميركل؛ لأن هؤلاء يتصرفون بموجب ولائهم المطلق والمعلن للكيان الصهيوني، ويتعاملون مع الطرفين بما يقتضيه كرههم واحتقارهم للشعوب العربية المتخلفة، وحكامها المتناحرين، وغير الديمقراطيين - في نظرهم -؛ لكن المشكلة تكمن فيمن يصدق أن هؤلاء يبحثون بجد عن حل لقضية فلسطين بالطريقة التي يتطلع إليها العرب المستضعفون والمستغفلون.. كيف نثق بوعود أمريكاوبريطانيا وألمانيا وفرنسا، وهي التي تبرر كل ما تقوم به إسرائيل من اغتصاب الأرض وتهجير أهلها ومماطلتها في تنفيذ القرارات الدولية، والاعتراف بمطالبها وإنكار مطالب أهل الحق.. كيف نثق بدول تزود إسرائيل بكل ما تحتاجه من السلاح، وتمنع أهل الحق من التزود بالسلاح حتى وإن كان من مخلفات مدافع الحرب العالمية الأولى؟ إلى متى يتعلق الزعماء الفلسطينيون والحكام العرب بالجزرة التي تلوح بها أمريكا أو أوروبا مع أنهم لم يحصلوا إلاّ على العصا والضرب على الرأس من عام 1948 إلى 2009م؟