استمراراً لما كتبت عنه حول كتاب الرياض في عيون الرحالة، ها أنذا أكتب عن الحقبة الثانية، وهي زيارة باركي روتكييروا، الذي زار الرياض عام 1330ه الموافق 1912م، وقد زارها والملك عبدالعزيز- رحمه الله- يبلغ من العمر الثانية والثلاثين، ويبدو أنه لم يستطع مقابلة الملك عبدالعزيز، غير أنه قابل الإمام عبدالرحمن الذي نعته بأن قسماته تحمل سمات الخبرة والفخامة، وأنه لطيف ودود. وليس في رحلته ما يستحق الإيراد سوى صوت تلك السواني التي تجرها الحمير لتسقي ذلك البستان الرائع من النخيل. أما جيراد لتشمان الذي زار الرياض في عام 1330ه الموافق 1912م، فقد كان ضابطاً إنجليزياً اشتهر بحبه للمغامرات والسفر، وصادفت زيارته للرياض، موعد وصول الحجاج إليها، فعندما حطوا رحالهم، تجمهر عدد من قاطني الرياض حوله ومن معه وصافحوهم وهنأوهم بسلامة الوصول ظناً أنهم طليعة الحجاج، وأخذوا يسألونهم عن باقي الحجاج وموسم الحج، وفي خضم هذا التجمهر على (الجنبا) كما يسميهم سكان الرياض، قدم مندوب الملك عبدالعزيز، رحمهم الله جميعاً، ودفع المتزاحمين، وتم أخذ الوفد إلى قصر الملك، فاستقبلوا بفنجان من القهوة كما هي العادة حتى الآن ثم قابل الملك عبدالعزيز الذي وصفه بأن طوله ستة أقدام، عريض المنكبين، ووجهه يوحي بالقوة والطيبة في آن واحد، وسلوكه بالغ التواضع والبساطة. ومن الملاحظ، ما ذكره من أنه يذهب إلى وسط البلاد، وأن أهل البلد متحضرون ودون تعصب، وهذه إشارة جيدة أن سكان الرياض في ذلك الوقت وبعد الاستقرار كانوا بعيدين عن التعصب منفتحين على غيرهم، وهو يعتقد أن سكان الرياض في ذلك الوقت نحو 25.000 بينما يرى فلبي أن عددهم 18.000 ومما ذكر أن الصلاة في المسجد إجبارية، ويعاقب من لا يواظب عليها، كما يغلق السوق في أوقاتها، وهو ما ظل سائداً حتى الآن، وذكر فيمن ذكر من الشخصيات (أحمد بن ثنيان) وآمل أن يكتب في الحاشية تعريفاً أكثر به. أما وليم شكسبير الذي زار الرياض عام 1330ه - 1914م وفي حاشية الكتاب معلومات جيدة عنه، فهو ضابط بريطاني من مواليد الهند عام 1880م، تعرف على الملك عبدالعزيز في الكويت، ونشأت صداقة بينهما، ودعاه الملك عبدالعزيز إلى الرياض، والتقط صوراً كثيرة للرياض، وأقدم صورة معروفة للملك عبدالعزيز كانت بيده، ومما قال: (أنه كان يكتب رسائل أخرى وحينها جاء عبدالعزيز ومحمد، ثم عدد من الصغار منهم محمد وفهد)، ولم يوضح في الحاشية من يقصدهم، وفيما يبدو أنه الملك عبدالعزيز والأمير محمد بن عبدالرحمن، أما الصغار فربما الأمير محمد بن عبدالعزيز والملك فهد بن عبدالعزيز رحمهم الله جميعاً. والاميركي بول هاريسون قدم إلى الرياض عام 1336ه الموافق 1917م، وكان طبيباً قدم لعلاج بعض المرضى في نجد، ومما ذكره أن سكان الرياض نحو عشرة آلاف نسمة، وهذا فيما يبدو غير دقيق مقارنة بما ذكر من قبله إضافة إلى النمو الطبيعي للسكان والهجرة إلى الرياض. واللافت للنظر أن عمق الماء تسعون قدماً وأن الملك عبدالعزيز كان يفكر في جلب محركات زيتية لتساعد في رفع الماء، كما أشار إلى المجهودات العظيمة لتعليم البدو، وقال: إن المتغيبين عن الصلاة يجلدون في اليوم التالي عشرون جلدة. وقدم إلى الرياض عام 1336ه الموافق 1917ه أر.آي.إيه هاميلتون الوكيل السياسي لبريطانيا في الكويت، ولفت نظري ما ذكر بأن عمق الماء في إحدى الآبار الكبيرة 100 قدم، وأن صيانة البئر تكلف مائتي دولار شهرياً، وهذا في رأيي رقم تكلفة لا يمكن قبوله، وقد شرح كيف أدى الملك عبدالعزيز مع عدم من الأمراء رقصات الحرب على ظهور الخيل. أما هاري سانت جون قلبي والمسمى بعبدالله فلبي فهو غني عن التعريف حيث أسلم وعاش في المملكة بعد تركه لخدمة الحكومة البريطانية وكتب كثيراً عن المملكة ومنها ما كتبه عام 1337ه الموافق 1918ه ولفت نظري ملاحظة فلبي الثاقبة، حيث ذكر بأن الملك عبدالعزيز لم يدخل إلى الغرفة العلوية بينما والده موجود في الغرفة السفلية، وهذا النهج غاية في البر والتواضع، وأسهب فلبي في وصف القصر والنخيل، وأوضح أنها في ذلك الوقت تقرب من شكل مثلث متساوي الأضلاع بقاعدة يزيد طولها عن ستمائة ياردة من الجهة الشمالية ورأس المثلث إلى الجنوب، وبمساحة تبلغ حوالي مائة هكتار، كما أن هناك مكانا للبائعات من النساء اللائي يبعن الخضروات والأدوات المنزلية، كما أسهب في وصف الآبار، وأساليب الحصول على الماء منها من خلال البكرات وباستخدام الحمير والبغال، وقد أشار إلى أن الموائد المقدمة في ذلك الوقت تحتوي على أطباق من المهلبية واللقيمات، ولم أكن أعلم قبل قراءتي لهذه المذكرات أن أهل الرياض في ذلك الزمان يعرفون المهلبية، وأشار أيضا إلى أن اللون البني هو اللون السائد لعباءات النساء في تلك الفترة، وهذا خلاف ما كنت أعتقده. وأشار إلى وفرة الخضراوات المزروعة: البصل والبامية، والزعفران ويسمى الخريرة والبدو يسمونه الصمنا، ومن الأشياء البارزة زراعة شجيرات القطن، ولم يدر بخلدي أن الرياض كانت تنتج الزعفران والقطن وكذا التوت، ولعلني أكتفي بما ذكر لأواصل الكتابة عن هذا الكتاب في الأعداد القادمة.