رأى اقتصاديون وأكاديميون متخصصون ضرورة نقل صلاحيات رقابة سوق التأمين من مؤسسة النقد العربي السعودي وإسنادها إلى جهة متخصصة، وأن تبقى (ساما) مسئولة عن القطاع المصرفي. وأشاروا إلى أن إيجاد جهة مستقلة للإشراف على القطاع، من شأنها المساهمة بشكل فاعل في تسهيل العوائق والعقبات التي يتعرض لها سوق التأمين. وقال الدكتور فهد حمود العنزي عميد كلية الأنظمة والعلوم السياسية بجامعة الملك سعود، إن نقص الكادر البشري ونقص الخبرة وعدم وضوح الآليات التي تمارس خلالها المؤسسة الرقابة على سوق التأمين، أدى إلى حدوث إشكالات معينة في السوق. رغم المجهودات التي بذلتها المؤسسة في التنظيم. ودعا الدكتور العنزي (ساما) بخلق بيئة ملائمة وإبعاد الشركات غير المرخصة والمحافظة في نفس الوقت على حقوق العملاء تجاه هذه الشركات، من خلال فرض رقابة على محافظها التأمينية وأموال المتعاملين مع هذه الشركات، ومن ثم ضخ شركات جديدة مرخصة ومؤهلة لسوق التأمين وقادرة على التعامل مع المستجدات في السوق ووفق برنامج زمني مدروس. واعتقد د. العنزي أن المؤسسة لم تقرأ بشكل مقبول ظروف وخصوصية واحتياجات السوق من شركات التأمين الجديدة أو القائمة سواء من حيث الكم أو الحجم أو النوع أو الجدول الزمني للنهوض بسوق التأمين، وفق خطة مدروسة تستوعب كل خريطة التأمين بكامل مفرداتها، ومن ضمنها الدور الذي يضطلع به أصحاب المهن الحرة على اختلاف تصنيفاتهم المهنية، مؤكداً أن الاستقراء الصحيح سوف يساعد (ساما) على إيجاد التوازن المهني والوظيفي لعناصر سوق التأمين على أرض الواقع. وعدّ الدكتور العنزي العنصر الرقابي لسوق التأمين التعاوني أحد المعوقات التي يعاني منها السوق، وأشار إلى أنّ الرقابة على سوق التأمين تتقاسمها جهتان مهمتان وهما مؤسسة النقد العربي السعودي والتي أنيط بها مهمة الرقابة على سوق التأمين السعودية بشكل عام، ومجلس الضمان الصحي التعاوني الذي أنيط به مهمة الرقابة على سوق التأمين الصحي فقط. مؤكداً أنّ لهاتين الجهتين جهوداً متميزة في الرقابة على سوق التأمين كلاً وفقاً للمجال الذي أنيط به مع تداخل بعض الاختصاصات فيما بينها، ولكنهما نجحا في تحديد الدور المناط لكل جهة على حدة، بيْد أن نقص الإمكانات وكذلك عدم توافر الخبرة اللازمة في هذا النشاط الناشئ، أدى إلى صعوبات جمة متعلقة بتنظيم سوق التأمين السعودية. وقال الدكتور فهد العنزي إن مجلس الضمان الصحي كان أداؤه متميزاً جداً، ولكن تعقيدات العمل بمنظومة التأمين الصحي وارتباطها بعدة جهات حكومية وخاصة في نفس الوقت أوجد صعوبات جمة لعمل المجلس، إلا أنه فهم أهداف النظام وفلسفته وكذلك الدور المنوط بها، مثمناً التطورات الكبيرة والمتسارعة للتأمين الصحي التعاوني في الثلاث سنوات الأخيرة. وبين العنزي في بحث متخصص إن التحدي الكبير الذي يواجهه صناعة التأمين التعاوني بالمملكة، يكمن في أربعة أوجه تتمثل في إيضاح الضوابط الشرعية المتعلقة بالتأمين التعاوني ومحاولة التفرقة بينها وبين الضوابط التي تحكم أنواع التأمين الأخرى والتي تحتمل الحل والحرمة. ويلزم أن تكون ضوابط التأمين التعاوني مؤسسة على التخريجات الشرعية المقبولة، والتي يمكن تطبيقها بشكل سلس وعملي في السوق السعودية للتأمين، وأن تكون هناك دراسة وافية لمنظومة صناعة التأمين للتعرف على الجوانب الفنية فيها، فالتأمين صناعة ذات بعد فني وعالمي تتكون من منظومة متشابكة ومعقدة جداً تبدأ محلياً وتنتهي ببعد دولي، وهو ما يعرف بعمليات إعادة التأمين التي تلتزم شركات التأمين الدخول بها وفقاً للاشتراطات النظامية أو بالنظر إلى طبيعة الخطر وعدم قدرة شركات التأمين على تغطيته بنفسها دون أن تحمي نفسها باتفاقيات إعادة تأمين ضرورية قد لا تجد من يقبل القيام بها غير شركات إعادة تأمين عالمية، وخلص العنزي إلى القول بأنّ ضوابط التأمين التعاوني يجب أن توضع وفقاً للطبيعة الفنية التي يفرضها نشاط التأمين وفقاً لهذه السلسلة المعقدة من التعاملات التأمينية ذات البعد العالمي، وكذلك وجود تنظيم قانوني يستوعب المعايير والضوابط الشرعية المتعلقة بالتأمين التعاوني بعد الاتفاق عليها من علمائنا الشرعيين ولا يقتصر على الجوانب الشكلية في التأمين فقط، وأن تستوعب شركات التأمين العاملة في السوق الضوابط المتعلقة بنشاط التأمين التعاوني، بحيث تكون هذه الضوابط واضحة، وأن تُدرج كذلك في النظام الأساسي للشركة، على أن يكون ذلك مسوغاً لمنح الترخيص للشركة من قبل الجهات المخولة بذلك. وعدّ عميد كلية الأنظمة والعلوم السياسية بجامعة الملك سعود الجانب الرقابي من المسائل المهمة التي ينبغي تفعيلها في السوق السعودية للتأمين التعاوني، مشيراً إلى أهمية وجود نوعين من الرقابة، وهما الرقابة النظامية سواء أكانت رقابة داخلية للشركة نفسها عن طريق المراقب النظامي في الشركة أو عن طريق الجهة الرقابية المعتمدة، الرقابة الشرعية التي تقوم بها الهيئات الشرعية لأعمال الشركة ونشاطاتها التأمينية سواء أكانت هذه الهيئة مشكلة داخل الشركة أو هيئة مستقلة. من جهته أوضح الباحث الدكتور رياض منصور الخليفي أن من أبرز جوانب الضعف والقصور في صناعة التأمين التكافلي، عدم وجود هيئة عليا فاعلة ومتخصصة في مجال التأمين التكافلي، تتولى مجموعة المهام والاختصاصات الجوهرية والمتعلقة بتنظيم وتقنين الصناعة، وذلك على المستويين الشرعي والفني التأميني. ويقترح الدكتور الخليفي ضبط وتوحيد الأنظمة المعتمدة لشركات التأمين التكافلي الإسلامي وضوابط تطبيق كل منها، وذلك منعاً لأية تجاوزات شرعية قد تنشأ مستقبلاً نتيجة التساهل أو التهاون في التطبيق. واعتماد الآليات التنفيذية المتبعة في تقديم الخدمات والمنتجات التأمينية التكافلية. وإعداد لائحة بالضوابط المعتمدة في احتساب الفائض التأميني وكيفية توزيعه. وإعداد وإصدار المعايير الشرعية الدولية المنظمة لقواعد وأحكام الصناعة. ووضع الضوابط الكفيلة بسلامة عمليات تطوير المنتجات التكافلية الجديدة، وتقديم الدعم الاستشاري اللازم للجهات والشركات المطورة. ورصد ومتابعة مستجدات الصناعة ودراسة مشكلاتها بهدف تقييمها وتقديم الحلول المناسبة لها. وتقديم الدعم النوعي لجهود إصدار قوانين وتشريعات جديدة خاصة لصناعة التأمين التكافلي الإسلامي. من جانبه أكد الاقتصادي عبد الرحمن العبد الله ضرورة وجود منظمات أو مكاتب متخصصة، وإصدار جهاز رقابي يعتمد معياراً موحداً، ينظم عمل وبيانات شركات التأمين العاملة في السوق. واستدرك العبد الله قائلا: إن مؤسسة النقد، التي تشرف على النشاط المالي في المملكة بفرعيه المصرفي والتأميني، تمتلك سجلاً مشرفاً في الرقابة على المصارف جنّبها الوقوع في شرك الكوارث المالية طيلة العقود الماضية، إنها ستنجح في تجنيب النشاط التأميني أي أزمات في المستقبل، كما أنها ستقوم بالجهد المطلوب للرقابة على تطبيق اللوائح المنظمة للنشاط، كما فعلت قبل ذلك مع المصارف. إلى ذلك يتوقع مراقبون اقتصاديون أن يشهد سوق التأمين تزايداً ونشاطاً في أعمال شركات التأمين جراء الخطط الحكومية التي تعمل على تطبيق التأمين الصحي على كافة الموظفين السعوديين خلال الفترة المقبلة، الأمر الذي سيدفع بعمليات نشاط واسعة لشركات التأمين.