ألفناه في معناه البسيط والمحدود أنه للمعادن أو النحاس، بل هو محاولة لإعادة الأشياء التي علاها شيء من الغبار والصدأ إلى واقعها اللامع.. إلا أن صور الصقل وإيحاءاته نراها وقد تمادت حتى باتت كلمة مهمة ومتعددة الأغراض والاهتمامات، فقد يصدر من خلال مفهومها ومنهجها قرار تربوي، أو تعميم مدرسي، أو قرار وزاري هام يعنى بأمور الصقل والتلميع والتظاهر بإخراج المخبر الحقيقي للناس لا سيما الشباب الذين باتوا كأنهم قد اعتراهم صدأ القدور والأواني والدلال والأباريق. وربما تطور أمر الصقل وموجباته وطروحاته إلى درجة أن مخرجا مسرحيا استقدم لأغراض صقل المواهب المسرحية في إحدى المدن، بمعنى أن يكون هذا الصاقل أو الصقال ملماً بالكثير من الأمور والقضايا الشبابية التي تحتاج إلى صقل ودربة وإتقان. فالصقل ارتبط فيما يبدو في جوانب الرياضة والصحة والنشاط حيث بات الصقل لأي موهبة يأتي من قبل الوسامة الرياضة وملاحة الرشاقة وجماليات القفز، والتوهج والحماس الذي قد يفوق الواقع، فلا بد في ظل هذا التوهج أن يأتي من يدعي الصقل ليكون بقوة مضاعفة وطاقة طائشة لفرط صقلها. فلا أدري ما سبب توجيه (الصقل) للشباب على وجه الخصوص ولماذا لا تكون للشياب وكبار السن من العجائز وهم الأولى في الصقل والتلميع من غيرهم لا سيما حينما يكونون في سن وعمر لا بد أن يقول الجاحد من الناس: أنه (شايب مصدي)، ومع أن هذا النعت غير الحضاري يجدر بالجميع أن يكون هذا الصقل موجها لهؤلاء الذين شاخوا، وللمترهلين الذين غفت مشاعرهم إلى جوار قرائحهم فليس هناك بد من صقلها بهذه الطريقة التي نراها اليوم وكأنها حالة ضرورية في حياتنا. فمدرب الكرة بأنواعها الطائرة والقدم والمائية والهوائية، وما على الشواطئ، وفي الميادين كلها تحتاج إلى صاقل أو صقَّال ماهر يعيد بريق الموهبة للأقدام لتحسن الركل والرمح في الهواء أمام المشاهدين والمشجعين بحرفية متمكنة، وكأن الحياة صارت من صقل إلى صقل بلا أثر ولا فائدة. مدربة الكمبيوتر المحنكة ستصقل الموهوبات في مركز تجاري في العاصمة، وخبيرة تجميل ستصقل مواهب البنات في عمل التسريحات والتقليعات وعلى هذه الحال تستدرج الكلمة (صقل) إلى كل شيء في حياتنا، ففي الأول والأخير يراد فيها التكسب والبحث عن الثراء، فالجميع بحاجة إلى صقل وتلميع، سواء كانوا موهوبين أو عديمين. يبدو أن هذه الكلمة قد جردت من مدلولها المألوف والبسيط، وباتت شماعة أو عكازة نتوكأ عليها، ونمني الذات والنفس بأن قضايانا المعنوية على الأقل ستحل عبر فكرة الصقل، وكأن جميع مشاكلنا حلت ولم يبق إلا صقل من له موهبة ومن لا يملكها، فطالما أن الصقل أخذ منعطفاته المعنوية والمادية الصرفة؛ فلماذا لا نتأمله في جوانب لغته الشعبية الدارجة والمتعارف عليها حينما استبدلت (رفسة) بلفظة (صقلة)، لتبقى الأولى للحصان المحظوظ غالباً، والأخيرة للحمار المسكين دائماً لا سيما حينما يكثر أذى الإنسان له، فهو في ظل معاناته لا يجد بدا من ممارسة الصقل لكل من يقترب منه. [email protected]