إن أسباب هذا الضعف الذي تعيشه أمتنا من أولويات مشاكلنا المزمنة التي تحتاج إلى مراجعة واعية، ودراسة دقيقة، لمعرفة أسباب الخلل الذي يعيق نهضتنا، ولا شك أن ذلك لا يتحقق إلاَّ من خلال نقد ذاتنا نقداً صادقاً، لا يقوم على الاعتداد بكبرياء الماضي السحيق، ولا يتكئ على التغني بقصائد تفخيم الذات التي لا تقدم إلاَّ نشوة التفوق الكاذبة، فنخدع بها أنفسنا وأجيالنا في عالم لا يعرف إلاَّ الفعل الحاضر، ولا يحترم إلاَّ من يثبت وجوده بالأفعال لا بالأقوال. إذا كانت العين التي نرى بها الأشياء لا ترى نفسها إلاَّ بمرآة، كما يصوّرها الشاعر؛ فإنه من الضروري أن ننظر إلى أنفسنا بواسطة عيون الآخرين، وأن نراها من خلال ما كتبه عنا جهابذة الفكر والسياسة الأوربيون خصوصاً؛ في زمن تفوقهم في الإدارة والسياسة، وفي الصناعة، وفي التخطيط والتنظيم وإدارة الوقت. لماذا لا نستمع إليهم وهم الذين أخلصوا لبلدانهم حتى تبوأت مكانة قيادية رائدة في العالم المعاصر، بينما تقبع أمتنا في مكانة لا تليق بها ولا تتناسب مع تاريخها العظيم الذي بوأها قيادة العالم في حقبة زمنية استمرت لعدة قرون. قد يقول بعضنا إن أولئك الغربيين أعداء حاقدون، ومستعمرون متجبرون، ينظرون إلينا نظرة لا تخلو من التحامل والاحتقار.. وأقول: لكن كتاباتهم في الواقع لا تخلو من الموضوعية والإنصاف ليس حباً في العرب، ولكن لأنهم في الغالب يحترمون الحقيقة. ومع أخذ كل ذلك بالحسبان؛ فإنه من المهم أن نستمع إلى ما كتبه عنا بعض المستشرقين الغربيين سواء كانوا من الدبلوماسيين الذين عملوا في بعض أقطار العالم العربي، أو الرحّالة الذين مروا بديارنا، وسجلوا ملحوظاتهم عن أحوالنا، راجياً أن نستمع إلى ما قالوه أو كتبوه بشفافية، وتقبل للنقد، وألاّ نلجأ إلى إسقاطاتنا التي تعودنا أن نبرر بها أخطاءنا، ونعلِّق عليها إخفاقاتنا من خلال اتهام من يظهر سلبياتنا بالتحامل أو التآمر، أو الجهل بخصوصيتنا.. ومن أقدم من كتب عن السعوديين الدبلوماسي الفرنسي لويس دو كورانسيه (1770-1832م) الذي قضى في المشرق العربي مدة طويلة متنقلاً بين مصر والشام، ثم قنصلاً دبلوماسياً في حلب خلال المدة من 1802 إلى 1810م، وهو صاحب كتاب: تاريخ الوهابيين منذ نشأتهم حتى عام 1809م (1225ه)، وقد قامت دارة الملك عبدالعزيز - مشكورة - بترجمته ونشره بالعربية هذا العام. ويُعد هذا الكتاب من أول ما أُلّف عن الدولة السعودية الأولى ودعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب.. ومع أهمية الكتاب وقيمته العلمية إلاَّ أنه يتضمن بعض المعلومات غير الحقيقية أحياناً، والمتحاملة جداً أحياناً أخرى، بسبب اعتماد المؤلف على مصادر معادية للدولة السعودية، ولأنه لم يكتب عنها عن قرب ومشاهدة؛ ومع ذلك فقد أنصف هذه الدعوة بعبارات لا نجدها عند غيره مثل قوله: (إن أساس الدعوة الوهابية هو مبادئ القرآن الكريم التي نزعوا منها المعتقدات الباطلة التي شوهتها لدى المسلمين الآخرين، إذاً ليست الوهابية مذهباً جديداً، ولكنها الإسلام في نظرته الأولى). لكن الذي يهمنا من كلامه هو بعض ملحوظاته الشخصية عن العرب عموماً من خلال معرفته بالعرب في مصر والشام والعراق، غير أنه ينبغي ملاحظة أن كورانسيه وغيره من الغربيين الذين كتبوا مذكراتهم في عهد سيادة الدولة العثمانية على العالم الإسلامي قبل عام 1334ه (1916م) اعتادوا على وصف أهل المشرق بالأتراك أو العثمانيين، وذلك تمشياً مع تبعيتهم للدولة، وليس بحسب جنسهم.. (وللحديث صلة).