لا نكشف جديداً عندما نقول إن التوجهات الإيرانية في المنطقة هدفها الهيمنة على المنطقة العربية؛ فالنظام الجديد الذي يحكم إيران منذ ثورة الخميني لم يخف رغبته في تصدير الثورة الخمينية للدول العربية مستهدفاً دول الخليج العربية كقنطرة، إلا أن نظام صدام حسين وعلى الرغم مساوئه كان حاجزاً أمام التمدد الإيراني واندفاعه نحو النفوذ الإقليمي. إلا أن سقوط نظام صدام حسين، وبالتالي سقوط أهم ركن في مواجهة التمدد الطائفي الذي كان يستند إليه التوجه الإيراني منذ ثورة الخميني عام 1979، ونعني به التوظيف القومي من قبل نظام صدام حسين وتصوير المواجهة بين نظامي طهرانوبغداد على أنه صراع بين القوميتين العربية والفارسية، والآن وبعد زوال نظام القوميين في بغداد (سقوط حكم البعث) غيّر النظام الإيراني في إستراتيجيته لنرى نفس النظام الذي كان يعدُ القومية كفراً، والبعثيون كما القوميون زنادقة، نراه يتبنى شعاراتهم ويسير على منوالهم، بل أكثر من ذلك يتحالف مع النظام البعثي الآخر...!! ما الذي تغير...؟!! لا شيء سوى تغير في التكتيك، فالفترة الأولى من حكم ما بعد ثورة الخميني كان يعتمد على مبدأ تصدير الثورة بأدوات الثورة نفسها أي بالعناصر التي آمنت بها، وهي بمجملها الجماعات والأحزاب ذات الامتدادات الطائفية، فقد لوحظ أن الشيعة العرب وبخاصة في العراق ودول الخليج العربية كانوا من أشد المناوئين لمبدأ تصدير الثورة لبلدانهم وعدوا ذلك تدخلاً في شؤونهم الداخلية، ولهذا فإن الجيش العراقي في زمن صدام حسين والذي نجح في إفشال مخطط تصدير الثورة الخمينية إلى داخل العراق، كان عموده الفقري شيعة العراق. ولقد وعَتْ طهران هذه الحقيقة، وهي أنه لا يمكن معاداة الانتماء القومي من أجل السير خلف الاعتقاد المذهبي، ولكن يمكن أن يمزج الانتماء القومي والاعتقاد المذهبي، وهو ما تقوم به طهران منذ اختيار علي خامنئي مرشداً للثورة الإيرانية، فلكي تعزز إيران نفوذها ومواقفها لدى القوى العربية من منظمات وأحزاب وحتى دول، فإنها لم تتبن المواقف والشعارات القومية، بل إنها تذهب أكثر من ذلك بالمزايدة في المواقف فذكّرتنا بالشعارات القومية المتشنجة، فالقوميون الناصريون كانوا سابقاً يطرحون شعار (سنرمي إسرائيل للبحر) قبل أن يفعلوا...!! أو تعيدهم الضربات العسكرية الإسرائيلية إلى رشدهم. ينادي الإيرانيون وبلسان رئيسهم أحمدي نجاد بتدمير إسرائيل تماماً. وهكذا وعن طريق الزعم بتبني الدفاع عن الحقوق العربية سواء في فلسطين أو تحرير العراق، استطاع الإيرانيون ومن خلال الإمساك بأوراق عربية من التغلغل وإقامة نفوذ في مفاصل أساسية بالمنطقة واستغلال الأزمات التي تشهدها المنطقة العربية لتعزيز نفوذ طهران على حساب استمرار هذه الأزمات وتفاقمها. والذي ساعد طهران في نجاح هذا التكتيك، حيث تحقق لها النفوذ في حين عجز تكتيك تصدير الثورة هو أخطاء الإدارة الأمريكية السابقة، والتلكؤ العربي من قبل الدول العربية القادرة على التصدي لهذا التكتيك وإجهاضه، فضلاً عن تعاون أطراف عربية أخرى لدعم هذا التمدد الإيراني خدمة لمصالحها الذاتية. [email protected]