الاثنَيْنيَّة: اسم نقش حروفه بوضوح في سمائنا الثقافي، وشع نوره من شاطئ جدة، وانتشر كما تنتشر سحائب المطر الصادرة من بحرها الأحمر لتنشر الماء الطهور على أرجاء الوطن فتسقي سرواته وأنجاده، وتغسل وجهه المشرق، وتبل ما جف من صحرائه وسهوله. ومع كثرة الاثنينيات الأدبية في بلادنا العزيزة - بحمد الله - فإن الاثنينية إ ذا ذكرت في مجال المنتديات الأدبية لا بد أن ينصرف الذهن إلى اثنينية الشيخ عبدالمقصود خوجة الشهيرة في جدة الجميلة. لقد تفوقت هذه الاثنينية على وصيفاتها الأدبية من اثنينيات وغير اثنينيات، وتبوأت هذه المكانة المشرفة ليس على مستوى المملكة فحسب بل حتى على مستوى الوطن العربي، لعوامل عدة سوف يتم إلقاء الضوء على بعضها. فأول تلك العوامل هو شخصية مؤسس الاثنينية وراعيها، وهو الشيخ الجليل عبدالمقصود خوجة، الذي ينحدر من أسرة عريقة وذات حضور فاعل في الأدب والتجارة، وما أقل أن يجتمع هذان الندان في شخصية واحدة. فالشيخ عبدالمقصود يتكئ على الإرث الأدبي لوالده الوجيه والأديب محمد سعيد عبدالمقصود خوجة - رحمه الله - رئيس تحرير أول صحيفة سعودية صدرت في عهد الملك عبدالعزيز، وصاحب المجلس الصباحي المفتوح لوجوه المجتمع ونخبه من الكتاب والشعراء والأدباء، وصاحب اللقاء السنوي الموسمي الذي يعقد في الليلة الثانية من ليالي عيد الأضحى المبارك، ويجتمع فيه اللامعون من ضيوف بيت الله، وكبار الأدباء والشعراء والمفكرين من العالمين العربي والإسلامي.. في ذلك البيت الحجازي الوجيه نشأ وترعرع الشاب اللوذعي عبدالمقصود، وعندما فقد والده لم يفقد تلك الصورة الجميلة المفعمة بالأدب والكرم في أبهى صوره، فكبر وكبرت معه محبة الناس، والرغبة في مجالسة أهل الأدب والفكر، فعاوده الحنين، وغلبه الشوق، وصمم على إحياء غرسة والده، فشمر عن ساعد الجد، وبذل لها كل ما تحتاجه من الوقت والجهد والمال. فنمت شجرة الاثنينية وارفة الظلال محملة بأشهى الثمار، حتى غدت معلماً ثقافياً يشار إليه بالبنان. العامل الثاني لتفوق هذه الاثنينية المباركة، هو اكتمال المقومات الإدارية، من حسن الإدارة، وتوفر التسهيلات والإمكانيات البشرية والفنية. فقد استثمر الشيخ عبدالمقصود خوجة خبرته الإدارية الطويلة في إرساء إدارة الاثنينية على قواعد إدارية واضحة ورؤية سليمة، فأصبحت أفضل المنتديات الأدبية الخاصة في بلادنا على الاطلاق من حيث حفظ المعلومات، وتوثيق المحاضرات والفعاليات على أسس علمية متطورة، وبأساليب فنية جميلة. وعامل ثالث هو حسن اختيار الضيوف والمحاضرين، من داخل الوطن وخارجه، والقدرة على جذب النخب المتميزة واستضافتها، مما زاد من تميز هذا المنتدى، ورفع شأنه ومكانته. وعامل رابع، وهو الخط الواضح الذي سارت عليه الاثنينية، بعيداً عن إثارة الحساسيات والتجاذبات السياسية والمذهبية والعرقية، فسلكت منهجاً وسطياً، وسلمت من الموضوعات المثيرة للجدل، فرفرفت عليها أجواء المحبة، وظللتها أجنحة الألفة، وأحاط بها الوئام والسلام. وعامل خامس، وهو دأب الاثنينية على تكريم الرواد والمبرزين من أبناء الوطن العربي في شتى المجالات، وهي مبادرة موفقة من صاحب المنتدى، أدت إلى شهرة الاثنينية داخلياً وخارجياً، وإن كان صاحبها لا ينشد الشهرة، ولا يأبه بها، وإنما يهدف إلى توثيق عرى التواصل بين العلماء والأدباء والمثقفين ورموز الأمة الفاعلين. وهناك عوامل أخرى لا يتسع المجال لذكرها، تضافرت لتجعل اثنينية الشيخ عبدالمقصود خوجة في طليعة المنتديات الأدبية، وأنموذجاً من نماذج الفعاليات الثقافية المشرقة في بلادنا.