في مطلع العام القادم تحضر المملكة لعقد مؤتمر دولي عن الوسطية في الإسلام، هذا ما ورد من معلومة جديدة لمنجز علمي فكري جديد يضاف إلى رصيد المملكة المشرف في حوار الحضارات، وحوار الثقافات، وحوار الإنسان مع الإنسان بمنطق إنساني واقعي موضوعي متجرد من شوائب التطرف والتشدد والغلو. بهذا الصدد أعلن الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ مفتي المملكة أن (الأصل في الشريعة الإسلامية أنها وسطية، مشيراً إلى أن المغالين لا يمكن أن يحسب تشددهم من الدين، حتى وإن ألبسوه لباساً دينياً زوراً وبهتاناً)، كما وأكد على أن الوسطية تعد تقية من أهل الغلو والتنطع، ومن أهل الإفراط والجفاء، كما أنها تقية تحتوي شباب الأمة وتوجههم إلى الخير وتحذرهم من دعاة الضلال والبدع والفساد والانحراف العقدي والانحراف الأخلاقي والسلوكي. جاءت هذه التصريحات وهذا الزخم من الحقائق في سياق ما بدأه خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز من إعلانه لحرب شعواء على العنف والتطرف والغلو والإرهاب، وهي حقيقة سياسية تم تأكيدها مراراً وتكراراً في أحاديثه وتصريحاته انطلقت من منطق السياسة الصادق المخلص والأمين انطلاقاً من حرصه -حفظه الله- منذ أحداث 11 سبتمبر الإرهابية وإلى أمد قريب على توضيح حقيقة الإسلام والمسلمين ومنع كل من يحاول أن يشوه صورة الإسلام والمسلمين. وكان الملك عبدالله أول من أعلن أن الدين الإسلامي الحنيف دين الوسطية والاعتدال، وأن وسطية الدين الإسلامي يعكسها وسطية الفكر الإسلامي، ووسطية السلوك الإسلامي، كما وحذر -حفظه الله- من الغلو والتطرف والتنطع، لا بل وحذر من أن يصنف المسلمون بعضهم بعضاً أو أن يوجهوا تهم التكفير أو العلمنة أو غيرها من التهم تجاه بعضهم البعض لأن المؤمنين إخوة. لقد أدرك الملك عبدالله أن فكر التطرف والتشدد والتنطع والغلو خطر أكيد على حاضر ومستقبل الأمة العربية والإسلامية، وخطر ما حق على مصالح الأمتين برمتهما، وخطر مباشر على أمن واستقرار ورفاهية العالم الإسلامي، كما ويدرك الملك عبدالله تماماً أن أفكار التطرف والتشدد والغلو تؤدي إلى العنف والدمار، وقد تدفع إلى ركوب مسالك الإرهاب ودروبه العقيمة تماماً كما حدث مع تنظيم القاعدة الذي لم يفتأ عن تبرير ما ينفذه من عمليات إرهابية يذهب ضحيتها عشرات ولربما المئات من المدنيين الأبرياء بمختلف الأعذار والحجج الواهية. بالطبع لم نفاجأ عندما خرج المنظر الثاني لتنظيم القاعدة أيمن الظواهري قبل عدة أيام ليعلن تبريره لعملية 11 سبتمبر من العام الماضي التي نفذت في مباني الأممالمتحدة وذهب ضحيتها عشرات الأطفال الجزائريين على أنها كانت ضرورية لأن الأممالمتحدة عدوة للإسلام والمسلمين، وأن من قتل من الأطفال كان بطريق الخطأ!! هذا أيضاً ما توصل إليه وزراء داخلية الدول العربية في اجتماعهم الدوري الذي عقد في نهاية شهر يناير الماضي في تونس عندما أكدوا بأن الإرهاب يمثل الخطر الرئيس على الأمن الوطني العربي ليس فقط لأنه يهدد الاستقرار والنمو الاقتصادي، وإنما لأنه يهدد الاستثمارات الاقتصادية العربية بالإضافة إلى تهديده لمقومات وقواعد المؤسسات الصناعية والسياحية، على سبيل المثال هذه حقيقة تدعمها إحصائيات اقتصادية عالمية تشير إلى فقدان العالم العربي في السنوات الخمس الماضية 1.2% من النمو الاقتصادي السنوي لمعظم دوله. هذه الخسارة تشعر بوخزها وثقلها وضغوطها ومنطقها وحقائقها. في الختام نعود لنؤكد أن منطق السياسة منطق كلي وشامل، ومنطق واقعي ينطلق من حقائق موضوعية ومن تجارب واقعية ومن أدلة وبراهين واقعية، لا بل ومن مرجعية إنسانية واقعية تؤكد على ضرورة المتابعة والتقييم لحركة المجتمع كل المجتمع بهدف الإصلاح والتعديل والتقويم، فمعالجة الخلل الاجتماعي عامة والخلل الفكري أو العقدي خاصة مسؤولية سياسية لا يمكن أن تنجح بدون وجود إرادة سياسية عليا تتخذ القرار المناسب والصحيح في الوقت المناسب والصحيح حفاظاً على أمن واستقرار الجميع.