نجحت سياسة المناصحة التي بدأتها وزارة الداخلية في المملكة في إقناع نسبة كبيرة ممن قبض عليهم بعد أن ضلوا طريق الحق والصواب ولجأوا لفكر التكفير أو الغلو والتطرف، وسلكوا مسالك العنف والإرهاب. بيد أن السياسة هذه لا بد وأن تدعم بسياسة المناصحة الاستباقية لشباب الوطن في كافة المراحل الدراسية خصوصاً المرحلة الجامعية لتستبق ومن ثم تجهض فكر التطرف والغلو وتغدو إستراتيجية شاملة للمناصحة الوطنية. تطبيق سياسة مناصحة الأجيال الوطنية على كافة المستويات التعليمية، خصوصاً في الجامعات، لا يوعي الطلاب بمخاطر التطرف والغلو والإرهاب وحسب، وإنما يحصنهم ضد أمراضها وجراثيمها، ويزودهم بالمعلومات والحقائق الصحيحة عن مخاطر ومساوئ فكر التكفير والتطرف والغلو التي تهدم المنجزات وتهدد الأمن والسلام والاستقرار في أي مكان تظهر ومن ثم تنتشر فيه. إذ لا شك فيه أن جيل اليوم والغد في حاجة ماسة لمعرفة حقائق مخاطر التطرف والغلو وكيفية مواجهتهما بالقول والفعل. لا بد وأن يدركوا أن مخاطر التطرف تكمن في كونه الغلو في الفكر أو الرأي أو الموقف وبالتالي التوجه، ومن ثم الإمعان في ممارسة التحرك الفكري والسلوكي إلى أقصى اليمين حتى يصعب رؤية حقائق الواقع بأكملها, مما يؤدي إلى استحالة التعرف على أفكار ومعتقدات الآخرين, ناهيك عن التفاهم أو حتى التعامل معهم، حتى وإن كانوا يقعون على خط الوسط من ذلك الموقع المتشدد. بمعنى آخر يجب أن يدركوا أن التطرف هو الانتقال بالفكر والمعتقد وبالتالي بالسلوك من خط المنتصف المعتدل إلى أقصى اليمين المتشدد, خاصة بعد أن يؤدلجوا بمنطق وخطاب التطرف والإرهاب بعد أن تستلب عقولهم فيتوصلوا إلى قناعة دينية عميقة بأنهم على حق ومجتمعاتهم وأوطانهم على باطل. نعم لا بد وأن تعي أجيال الوطن أن التطرف والغلو هما النقيض من قاعدة الحياة الإنسانية الطبيعية القويمة المستقرة التي تدعو إلى الاعتدال في الآراء والأفكار والتوجهات, وتحث على الاتزان في المعتقد والمسلك. فالشذوذ عن قاعدة الحياة الإنسانية والخروج عن مسارها الصحيح بالتقوقع إلى أقصى اليمين، أو التعسكر في أقصى اليسار، يعني بذات المنطق القياسي الخروج عن منطق الإسلام الوسطي ومساره المعتدل التي يؤكدها حديث الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم لقوله «خير الأمور أواسطها». لا بد وأن نعمق في نفوس الطلاب ووعيهم أن الإسلام دين الوسطية، ودين الاعتدال، لقوله تعالى {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} بمعنى أدق أن الأمة الإسلامية لا تميل إلى أقاصي اليمين أو إلى أقصى اليسار, فالمسلمون لا يتشددون في أفكارهم ومعتقداتهم ومواقفهم وتوجهاتهم. فأقصى اليمين يعني التطرف والغلو والتنطع والرهبنة, فيما أن أقاصي اليسار تعني الراديكالية والفوضى والثورة على طبيعة الحياة ونواميسها. لا بد وأن نؤكد للطلاب أن التطرف في الفكر والغلو في المعتقد تسببا في قناعة الإرهابيين إلى حد الجزم بأن المجتمع الإسلامي برمته على خطأ وهم فقط على جادة الصواب، متغاضين في ذلك، أو حتى متناسين الحديث الشريف لرسول الله صلى الله عليه وسلم عندما قال «لن تجتمع أمتي على ضلالة». أخيراً لا شك أن سياسة المناصحة الاستباقية لا بد وأن تؤكد أيضاً لجيل الغد أن قناعة الفئة المتطرفة القليلة المؤدلجة بالوهم، والمتنطعة في القول والمنطق، بأن المجتمع الإسلامي على خطأ، دعتهم للتفكير في حتمية تصحيح ذلك الخطأ الوهمي بأي وسيلة كانت، حتى باستخدام القوة والعنف ضد الأبرياء الأمنين، وتدمير الممتلكات العامة والخاصة، وإهدار الثروات. الأهم من ذلك كله يجب أن يعي الطلاب أهمية ما تحقق من منجزات وما وصلت إليه البلاد من تطور وتقدم ورقي خصوصاً نعم الأمن والسلام والاستقرار والرفاهية التي تحققت في هذا الوطن، وما زالت سياسات تحقيقها تتواصل بفضل جهود وسياسات حكومة المملكة الرشيدة.