حينما تأمَّلْتُ موقف عالمنا الإسلامي من الإنسان بصفته خليفة لله في عمارة الأرض وإصلاحها، وبصفته الثروة الحقيقية الكبرى التي تملكها البشرية قبل جميع الثروات المادية التي يحرص عليها البشر، ويسعون إلى جمعها، وجدت تقصيراً هائلاً في تنمية هذه الثروة الكبيرة عقلاً وروحاً وجسداً، بل إنَّ هنالك تفريطاً كبيراً من كثير من الحكومات الإسلامية، والشركات والمؤسسات الخاصة في استثمار ثروة (الإنسان) استثماراً قائماً على احترامه وتقديره، وتطويره وبناء عقله وروحه، وصحته الجسمية والنفسية، بل إنَّ الأمر أكثر مما كنت أتوقَّع سوءاً، حيث ظهر لي بعد التأمُّل أنَّ هنالك تحطيماً لهذه الثروة البشرية الكبرى نفسياً وروحياً ومادِّياً، فمصادرة حرِّية هذا الإنسان التي تبني عقله وروحه وتزكِّي أخلاقه، وترقى بمشاعره أصبحت أسلوباً سائداً في عالمنا الإسلامي، وإذا وجدت تلك الحرِّية فهي - غالباً - الحرية غير المنضبطة التي لا تبني الإنسان ولكنَّها تحطِّمه وتزيده خَبالاً وضعفاً في روحه وعقله ونفسه، أمَّا الحرِّية الراشدة الواعية التي تتيح للإنسان التعبير عن رأيه بوعي واحترام، والانطلاق الحكيم للمشاركة في البناء والتطوير، وعدم إساءة الظن به إذا عبَّر عن نفسه، أو فكره أو عقله تعبيراً سليماً واعياً، فإنها حرية محدودة محصورة في عالمنا الإسلامي، إن لم تكن معدومة في أحيانٍ كثيرة، يشترك في وأد هذه الحرية الراشدة الجميع، ابتداءً من المنزل، وانتهاءً بالمواقع العامة التي تتعامل مع الإنسان، طالباً، أو موظفاً، أو عاملاً في أيِّ مجالٍ من المجالات. موقف مؤسف من الثروة العظمى التي تملكها الأمة (الإنسان) يحتاج إلى مراجعة سريعة حتى لا تخسر أمتنا كلَّ شيء في معركتها المصيرية التي لا مناص من خوضها - كما هو مشاهد - في مجالات الحياة كلها، فكرياً، وثقافياً، واجتماعياً، وسياسياً وعسكرياً، وقبل ذلك كله عَقَدياً. تأملت قولاً لمثقف عماني هو الأستاذ سعيد المعشني، فوجدته مهماً في هذا المقام حيث يقول: الإنسان أغلى ما نملك خصوصاً إذا ما علمنا أن الخالق عز وجل قد نفخ فيه من روحه، وحمله في البر والبحر، وكرَّمه وعلَّمه ما لم يكن يعلم وكان فضله - سبحانه وتعالى - عليه عظيماً. إن النهوض الحقيقي للأمم المتحضرة إنما ينشأ من الثروة البشرية التي تحمل المبادئ والقيم، وتحسن العمل، وتجيد وسائل التطوير والبناء وتصنع جميع الوسائل التي تحقق التطوُّر والنموّ في هذه الحياة الدنيا. إن الطاقات البشرية هي ثمن ما تملك أمتنا، ولن تستطيع الأمة نهوضاً ولا تقدُّماً إلى الأفضل بدون هذه الطاقات، ولن تستفيد من هذه الطاقات حينما تكبتها، أو تحطِّم نفوسها، أو تهمل في تدريبها وتحفيزها والعمل الدؤوب على غرس الثقة في نفوسها، أو تقصِّر في غرس روح المبادرة والابتكار والجرأة الواعية على اتخاذ القرار. مسؤولية كبيرة نحملها جميعاً تجاه هذه الثروة الكبيرة. إشارة: المنزل هو المصدر الأوَّل لهذه الثروة. www.awfaz.com