هذا هو عنوان رئيس من عناوين كثيرة وكبيرة توشحت بها الصحف العربية في الأيام القليلة الفائتة، ومن تلك العناوين أيضاً: (أمجاد يا مصر أمجاد)، و(الفرح يغرد في العواصم العربية).. نعم لقد سهرت تلك العواصم حتى الصباح، والسبب فوز منتخب مصر ببطولة أفريقيا لكرة القدم.. وأقول هنيئاً للمنتخب المصري وهنيئاً لمحبي كرة القدم في ذلك البلد الشقيق.. من حق جمهور المنتخب المصري أن يفرح، ومن حق الجماهير العربية أن تفرح لفرحه.. ولكن هل تستحق المناسبة كل هذا الفرح العربي وكل هذه النشوة اليعربية؟ هل وصل الأمر إلى أن تسهر الجماهير إلى الصباح؟ وهل تستحق المناسبة أن تتسابق بعض العواصم العربية الأخرى على إحياء الأفراح والليالي الملاح احتفاء بهذا النصر العظيم؟ لا أريد من الشعوب العربية أن تتخلى عن الفرحة، ولا أطالبها بأن تتحلى بالكآبة والأحزان نتيجة ما تعيشه الأمة من أوضاع متردية.. لكنني أريد أن أقول إن حجم الفرح أكبر من حقيقة الإنجاز! لقد آلمني أن يعلن تقرير حكومي مصري في اليوم التالي بعد تلك الليلة الساهرة ما مفاده، ارتفاع معدلات التضخم في أسعار السلع في مصر على نحو كبير خلال شهر يناير - بداية العام الجديد- حيث زادت أسعار الخبز والحبوب بمعدل 35%، والألبان والأجبان والبيض ب 17% والدهون والزيوت ب 26% والمنتجات الغذائية الأخرى ب 24%، والأسماك ب 9%، واللحوم ب 7%. كنت سأنضم إلى مواكب الأفراح، وأسهر مع الساهرين إلى الصباح لو أن مصر العظيمة استطاعت أن تعلن الانتصار على واحدة من مشكلات الأمة التي تجثم على صدر الشعب المصري خصوصاً والشعب العربي عموماً، لأن انتصار مصر انتصار للأمة العربية والإسلامية، وقوتها قوة للأمة، وضعفها ضعف لها.. كنت سأفرح لو أن مصر التي أفرحت العرب عام 1973م بتحطيمها لأسطورة الجيش الإسرائيلي الذي لا يُقهر، أعلنت عن تدشين سلاح جديد يحفظ لها هيبتها العسكرية ويردع إسرائيل عن تشدقها بأنها تستطيع ضرب أي منشأة عربية مختارة بطائراتها الحربية دون أن يفكر العرب بأي رد عسكري! كنت سأفرح لو أن قيادة مصر الحبيبة أعلنت عن زعامتها للأمم الأفريقية كقوة اقتصادية أو سياسية.. كنت سأفرح لو أن مصر النيل أعنلت عن تحقيق الاكتفاء الذاتي زراعياً وتوقفت عن استيراد المواد الغذائية الأساسية، وحققت للشعب المصري الأمن الغذائي.. كنت سأفرح لو أن مصر العظيمة أعلنت عن فوزها بكأس الحرب على البطالة وأغلقت آخر ملف من ملفات العاطلين عن العمل. أما أن تحقق مصر كأس أفريقيا في كرة القدم في الوقت الذي تعلن فيه إسرائيل أنها انتهت من تجربة ناجحة لأحدث صاروخ بالستي يحمل أعتى الأسلحة الجرثومية والبيلوجية ويصل مداه 4500كم، فلن أصفق مع القطيع!.