الآن ,, تمر عشر سنوات على هذه الظاهرة العجيبة، فهل تستمر,, هذا هو السؤال القديم الجديد,. هل تصور أحد منا أن أحداث جميع الروايات العالمية ناقصة,,؟ انه بالفعل السؤال المطروح في أماكن متعددة من العالم الآن، خصوصا بعد النجاح المذهل الذي حققته رواية سكارليت قبل عشرة أعوام، فلم يكن أحد يتصور أن أحداث رواية كتبت في عام 1936 يمكن لكاتب آخر أن يستكمل قص أحداثها بمتعة الحكي نفسها، وخاصة أن مؤلفة القصة الأصلية ذهب مع الريح مرجريت ميتشيل، قد رحلت عن عالمنا، إنها لا يمكن أن تستكمل أبدا قص البقية الباقية من الرواية، وهي على كل حال عملها الوحيد والفريد، أدبياً وسينمائياً. تصور البعض أن ما فعلته السكندرا ريلي مؤلفة رواية سكارليت منذ عشر سنوات ليس سوى حالة فريدة ونادرة، وأن النجاح الذي حققته هذه الرواية، لم يكن سوى من قبيل المصادفة , وأنها حالة تفوت بخاصة أن ألكسندرا قد أقبلت على هذه التجربة العسيرة بناء على طلب إحدى دور النشر، كنوع من جس النبض لظاهرة محفوفة بالمخاطر. ولكن مصادفة العام الحالي ستكون أشد، وربما بعد ذلك لن تكون صدمة بالمرة عندما سيعتادها الناس، فقد تناثرت الأخبار أن بعض دور النشر الكبرى قد عهدت إلى كتاب محترفين ليستكملوا قص بعض الروايات الشهيرة مثل مدام بوفاري لجوستاف فلويير ، و ربيكا من تأليف دافني دي موربييه و دكتور زيفاجو لبوريس باسترناك و العجوز والبحر لهيمنجواي ,, وغيرها من الروايات. وبذلك سيأتي الاحساس الأكيد بأن الروايات كافة التي قرأناها في مراحل مختلفة من حياتنا ليست سوى قصص ناقصة، وأنها كان يجب أن تستكمل بصورة أو بأخرى. لكن قبل أن تؤكد هذه الظاهرة الجديدة، علينا أن نتساءل؟ هل هي جديدة فعلا؟ وماذا يمكن أن تخبئه لعالم الإبداع خصوصا في مطلع القرن الحادي والعشرين؟ ومنذ عرف الإنسان الإبداع وهو يهتم بما يسمى تنويعات على النغمة نفسها وقد بدا هذا واضحا في تعامل المبدعين، على مختلف العصور مع الميثولوجيا اليونانية القديمة, ودفع هذا المبدع إلى إعادة تشكيل شخصيات مثل أوديب، وجيوكاست والكترا وغيرهم أكثر من عشرات المرات، ثم انتقلت هذه الظاهرة بين العصور، فحدث الشيء نفسه مع هاملت و ماكبث و الدكتور فاوست . وقد ألهبت قصص بعينها، ومسرحيات، مخيلة الأدباء فراحوا يعيدون تجسيد شخصياتها على صفحات رواياتهم الجديدة، وعلى سبيل المثال فإن الكاتب الفرنسي روجيه نيميه الذي مات عام 1935، قد شغف بشخصية دارتنيان التي ظهرت في أكثر من رواية للكاتب الكسندر ديماس منها رواية الفرسان الثلاثة فراح يكتب رواية عن حياة دارتنيان الخاصة وهو أحد الأبطال الرئيسين في هذه الرواية , واعترف النقاد بأن ما كتبه نيمييه عن هذه الشخصيات أهم بكثير وأصدق مما كتبه دوماس نفسه. وقد حدث الشيء نفسه أيضا مع نيمييه خلال ما كتبه من الحياة الخاصة لشخصية كازانوفا التي ابتدعها ارثر سنتزلر ، ولاقى كازانوفا كما وصفه نيمييه في حياة الخاصة اكثر أهمية من كازانوفا الحقيقي. وفي السنوات الأخيرة برزت ظاهرة جديدة اذ قامت بعض الورش الأدبية بتدريب تلاميذها على كتابة روايات على غرار بعض الأدباء المشاهير خصوصا الذين عاشوا في القرون الماضية. وقد بدأت هذه الظاهرة من خلال اختيار شخص وتأهيله ليكتب، ويفكر، ويبدع، بالاسلوب نفسه الذي ابتدعه كاتب مثل جوته أو تشارلز ديكنز ، أو إميل زولا فيخصص هذا الشخص حياته بأكملها كي يكون هو بلزاك , وقد جاءت هذه الفكرة أولا من إيطاليا، حين قام اثنان من الكتاب بتقمص شخصية ديكنز، وراحا يكتبان رواية قصة مدينتين باعتبار أن ديكنز لم يكتبها بعد ونجحت التجربة، مما دفعهما إلى أن يستكملا رواية مات الكاتب من دون أن يستكملها. هذه التجربة الناجحة، شجعت دور نشر أخرى على ان تكررها مع روايات أخرى لم تكتمل لأدباء من طراز فيكتور هوجو ثم جوته، ولكن نتيجة لقلة الروايات غير الكاملة، فإن المخاطرة التالية كانت بمثابة الصدمة للقراء في جميع أنحاء العالم، وبخاصة أن هؤلاء الناشرين قرروا أن يمسوا الروايات المعصومة من أن تستكمل ,, وكانت البداية مع ذهب مع الريح . وكما سبقت الإشارة فإن أرقام التوزيع العالية لرواية سكارليت شجعت على تكرار التجربة مع روايات أخرى معصومة لها أهميتها وتميزها، والغريب أن أغلب الروايات التي يتم الآن إعداد أجزاء ثانية لها قد ولدت في القرن العشرين مثل ربيكا و دكتور زيفاجو , لكن هناك روايات أخرى تنتمي إلى القرن التاسع عشر, وقد صدرت الطبعات الأولى لتكملة كل من مدام بوفاري و مرتفعات ويدرنج في الاسابيع الأخيرة من العام الماضي أما بقية الروايات فستصدر تباعا هذا العام. تحت عنوان هيثكليف يعود إلى ويدرنج استكمل لين هير سارجنت أحداث رواية مرتفعات ويدرنج لشارلوت برونتي , وكما هو واضح من العنوان فإن الكاتب استكمل احداث الرواية من وقائع القرن الماضي، وكذلك فعل ماسكين بنوا جانين في روايته الآنسة بوفاري حيث نرى ابنة اما بوفاري المسماة برت تعيش على شاكلة أمها فتعشق الرجال، وتميل إلى خيانة زوجها. هذا عن الروايات التي انجزت فعلا، والتي لم تظهر أرقام المبيعات بعد، هل يمكن أن تحقق الصدى نفسه الذي حققته رواية سكارليت أولا؟ في انتظار الاجابة فإن دور النشر لم تتوقف عن استكمال مشاريعها في هذا الصدد, ففي شهر سبتمبر 1998 ظهرت في ألمانيا رواية ابن لارا وهي بمثابة تكملة لرواية دكتور زيفاجو وستكون التكملة من تأليف كاتب يدعى الكسندر موللين وهو اسم مستعار ومن المعروف أن لارا هو اسم عشيقة الدكتور زيفاجو وقد أنجبت منه طفلة في رواية بوريس باسترناك, لكن في الرواية الجديدة سنرى ابنا آخر ليوري زيفاجو. ومن المعروف أن هذه الرواية اثارت الكثير من المشكلات ليس لورثة باسترناك فقط، ولكن أيضا للناشر الإيطالي الذي تحمس لنشر الرواية للمرة الأولى عام 1956، والتي فازت بجائزة نوبل في عام 1958. اما الرواية الثانية المنتظرة في العام القادم فهي الجزء الثاني من رواية ربيكا وقد اختار الناشر ان تقوم امرأة بتكملة احداث تلك الرواية المثيرة باعتبارها من جنس الكاتبة دافني دو ميرييه وتعكف سوزان هيل الآن على وضع اللمسات الأخيرة للجزء الثاني من هذه الرواية. ولم يتم اختيار سوزان هيل اعتباطا لكي تقوم بهذا الدور فقد كانت صديقة حمية لدافني التي ماتت عام 1989، كما أنها كاتبة قدمت من قبل روايات من طراز انا سيد القصر عام 1972 . وحتى الآن فإن قائمة الروايات التي يتم استكمال احداثها بواسطة احد الأدباء المحترفين قليلة للغاية، وغير خفي عن الأذهان نجاح هذه الظاهرة على المستوى السينمائي لكن مع اختلاف طبيعة المجال، والنص ، والفن، ولا شك في أن نجاح رواية سكارليت على سبيل المثال, قد يدفع بالناشر إلى الاستعانة بالكسندر اريلي، أو ربما بكاتبة أخرى لكتابة جزء ثالث أو رابع, لكن هذا لم يحدث منذ ظهور رواية سكارليت في أول العقد الأخير من القرن الماضي. وهكذا تستمر الأحداث في التتابع، وسيشعر القارئ بأن الروايات التي ينتهى من قراءتها لن تنتهي حكاياتها أبداً. لا أحد يمكن أن يتنبأ بما ستحمله هذه الظاهرة في المستقبل, فهل يمكن لأكثر من كاتب أن يقوم باستكمال الرواية نفسها, ويترك للقراء أن يختاروا التكملة التي تعجبهم؟ وهل ستنتشر هذه الظاهرة أو ستنحسر؟ لا شك في ان الاجابة ستكون بين يدي المستقبل، وعلينا أن ننتظر.