لا يزال تساؤل القراء والمتابعين عن الكتابة الإبداعية لدى الشعراء والروائيين الذين يكتبون عملاً واحداً ويختفون مشروعاً. هناك من يُبسّط الأمر فيعيده إلى رسالةٍ ما كان أصحاب تلك الأعمال يشعرون بقلقها، لذا كتبوها واختفوا، وهناك من يحيل الأمر إلى أنّ هؤلاء الكتاب وأولئك لم يكونوا مستعدين للشهرة أو قابلين لدخولها المفاجئ في حياتهم. أيا تكن الأسباب، فالعالم مليء بشواهد كثيرة كُتِب عنها، لنماذج إبداعية وحيدة أضاءت الحياة وفتحت أفق الكتابة إلى فضاء بعيد لم تغب عنه الدهشة برغم سنوات الكتابة. لا أحد ممّن اقترب من الكِتَاب قارئاً ومتابعاً يستطيع أن ينسى «سيلفيا بلاث» وروايتها «الناقوس الزجاجي» الفائزة بجائزة بوليتزر 1982م أو آنا سويل وروايتها «الجمال الأسود» الذي كان وقت نشره أكثر الكتب مبيعًا مع أن صاحبة هذا العمل قالت إنّها لم تكتب لتتمتع بالنجاح ولم يكن لديها مزيد من الوقت. كما أنّ المتابع لا ينسى «مارجريت ميتشل» وروايتها «ذهب مع الريح» التي كتبتها سرًّا كما يقال، في تحدٍّ لزميل لها سخر منها ولم يصدق أنها قادرة على كتابة رواية وقد فازت بجائزة بوليتزر عام 1957م وتحوّلت روايتها لعمل سينمائي يحمل ذات الاسم، كما أن «بوريس باسترناك» وروايته «دكتور زيفاجو» وما هو معروف أن «باسترناك» واحد من أعظم شعراء القرن العشرين، ولكن في فنّ الرواية كتب ملحمته «دكتور زيفاجو» وهي الرواية التي كتبها «باسترناك» وأخرجها «ديفيد لين» في فيلم يحمل ذات الاسم، وحصد بها خمس جوائز أوسكار. وفاز بها صاحبها بجائزة نوبل عام 1958، ورفضت روسيا أن يتسلمها إذ أجبرته على رفض الجائزة مقابل المنفى أو السجن، ومن بعدها عاش «باسترناك» معزولا وتوفي بعد عامين بسرطان الرئة ولم يكن شرع في أي رواية أخرى. اليوم وفي ظلّ الغزارة الإنتاجية، هل بتنا نّحِنّ لتلك الأعمال الوحيدة التي بقيت برغم رحيل أصحابها، أم أننا ما زلنا ننتظر عملا وحيداً من بين أعمال كثيرة لكاتب واحد.