ضمن قاعة المحاضرات في النادي الأدبي الثقافي بجدة مساء يوم الاثنين 24/3/1421ه نخبة من محبي الثقافة والأدب والعلم حيث تألق الدكتوران عبدالله الفيفي ويحيى الخزرج في حديث جميل وأخاذ عن مقاييس الجمال عند المكفوفين,, وقد أدار اللقاء الاستاذ سحمي الهاجري حيث بدأ بالترحيب بالضيفين الكريمين اللذين سيقيمان اللقاء وعرف بالفارس الثقافي الأول في اللقاء وهو الدكتور عبدالله الفيفي فقال إنه عضو هيئة التدريس بجامعة الملك سعود بالرياض وله العديد من المؤلفات الأدبية والنقدية سواء في مرحلة الماجستير او مرحلة الدكتوراه او ما تلاهما من كتب وأبحاث وقد ولد الدكتور عبدالله الفيفي 1382ه في جبل فيفا جنوب المملكة العربية السعودية وحصل على البكالوريس من جامعة الملك سعود 1403ه بتقدير ممتاز مع مرتبة الشرف ثم حصل على الماجستير سنة 1408ه في تخصص الأدب والنقد من جامعة الملك سعود وكان عنوان الرسالة شعر تميم ابن ابي ابن مقبل العجلاي دراسة تحليلية وحصل فيها على تقدير امتياز مع مرتبة الشرف ثم حصل على درجة الدكتوراه في الفلسفة والنقد 1413ه وكان تخصصه الدقيق الصورة الشعرية والخيال الفني وكان عنوان الرسالة الصورة البصرية في شعر العميان دراسة فنية وحصل فيها على تقدير ممتاز مع مرتبة الشرف الأولى وقد تقلب في عدد من الوظائف الأكاديمية ويعمل حاليا في جامعة الملك سعود وكيلا لقسم اللغة العربية وآدابها في كلية الآداب في جامعة الملك سعود منذ 1414ه وله عدد من النشاطات مثل رئاسة ندوة النص بقسم اللغة العربية ومثل شؤون الدراسات العليا بالقسم وله عدد من المؤلفات الشعرية منها إذا ما الليل اغرقني الصورة البصرية في شعر العميان كتاب شعر النقاد في بنية النص الاعتباري كتاب في شعر ابن ابي مقبل في جزئين وعدد من النشاطات والبحوث في المجلات العلمية. ثم تحدث الدكتور عبدالله الفيفي فيما يزيد عن نصف ساعة حيث قال: في البدء اشكر اللجنة القائمة على هذا النشاط وأشكر إدارة النادي وأشكر الحضور الكرام وأتمنى ان يكون فيما القيه بين أيديكم بعض الفائدة. في واقع الأمر ان هذا الموضوع موضوع كبير ولا يتعلق بحالة كف البصر وإنما هو يتعلق بالتجربة الإنسانية في الإدراك والتعلم وفي الاحساس بصفة عامة بغض النظر عن حالة هذا الإنسان ان كان مبصرا او غير مبصر. وكما أشار الاستاذ مقدم هذا اللقاء الى مشروع كنت قد حاولت فيه ان اتقصى هذه القضية في كتاب بعنوان الصورة الشعرية في شعر العميان دراسة الخيال والإبداع وهذا الذي اقدمه الليلة هو خلاصة الخلاصة لأن المجال لن يتسع لعرض كل هذه القضايا ولضرب الأمثلة والتفصيل وهذا الموضوع يحتاج الى قراءة لا يمكن ان تقدم لمستمع في ندوة كهذه وسوف اختصر وأقدم أهم النقاط التي تتعلق بهذه القضية مما طرق في ذلك المشروع او مما جد بعده من تأملات ومن أفكار. العنوان الذي خصص للقاء الليلة وهو بعنوان مقاييس الجمال عند المكفوفين وانا افضل ان يكون: مقاييس الجمال عند العميان فهذه الكلمة ليس فيها أي انتقاص من شأن هؤلاء لكي نتجنبها فالمكفوف في اللغة هو من كف بصره بعد ان كان مبصرا كما يقول اصحاب المعاجم اللغوية وهم يفرقون بين المكفوف وبين الأكمه او بلفظ آخر بين الضرير وبين الأكمه أي بين الذي كف بصره بعد ان كان مبصرا والذي ولد أعمى ويشمل هؤلاء العميان وحديثنا يشمل كل هؤلاء على ما بينهم من فروق فهم يختلفون في قدراتهم وفي تذوقهم للجمال والنقطة الأخرى التي يثيرها العنوان هي موضوع الجمال فهو يفترض عموما ان للجمال مقاييس وهذا مثار سؤال هل للجمال مقاييس ومفهوم الجمال كما هو لدى علماء الجمال بطبيعة الحال لا يرادف الحسن في مقابل القبح ولكنه يشمل طبيعة الشعور بقيم الأشياء المدركة حسيا حسنة كانت ام قبيحه وليس خاصا بحسن الموضوع في ذاته وإنما الحكم يكون على طريقة نقل الموضوع في عمل فني وهو يتخذ صفة الجمالية في الفن بعامة حسب جمال الأسلوب في التقديم إذ الجمال هو جمال الأسلوب في العمل الفني وليس جمال المادة في ذاتها كصورة الليل في شعر العميان والمكفوفين وكأحدب الرومي الذي صوره ابن الرومي او ازهار الشر لدى بودلير فعلى سبيل المثال بيت بشار المشهور. كأن مثار النقع فوق رؤوسنا وأ سيافنا ليل تهاوى كواكبه أو قول المعري: فكأني ما قلت والبدر طفل وشباب الظلماء في العنفوان ليلتي هذه عروس من الزنج عليها قلائد من جمان ومثلما ان تصوير الحسن في ذاته قد يكون قبيحا إذا ما جاء مخفقا في صنعته الفنية ومن هنا فرق علماء الجمال بين مفهوم الجمال والحسن كما تقدم,, بينما حينما نستخدم مصطلح مقاييس الجمال إنما نعني هذا المفهوم لكيفية الإثراء للاشياء ونقلها في خلق فني ثم سيأتي السؤال من الجمال أساساً وما مدى العلاقة بينه وبين الواقع الحسي, ثم ما مقدار أهمية الحواس وخاصة البصر في ادراك الجمال وتذوقه. فحينما نعود الى تعريف الجمال: ان الجمال هو استبعاد جميع الاحكام العقلية وجميع أحكام الواقع او احكام العلاقة ومن هذا يتضح ان تعريفات الجمال كما تطرقوا إليه تتجه الى القيمة الروحية لا إلى المدرك الحسي في ذاته وهكذا يتضح اعتمادا على هذه المقولات ان اعتماد جوهر الجمال واعتماد درجات هذا الإحساس يتوقف على الطبيعة الإنسانية لا على معطيات الواقع الحسي اما أهمية البصر في تذوق الجمال فبديهي ان دور البصر في حياة الإنسان بعامة اسمى بكثير من سائر الحواس ولذلك يعد البصر مع السمع هما حاستا الجمال العظميان مقابل الحواس الدنيا كاللمس والذوق والشم التي تخدم الأغراض العقلية فيما تفعل هاتان الحاستان ولكن بدرجة أقل. ثم قدم الاستاذ سحمي الهاجري المحاضر الثاني وهو الدكتور يحيى تركي الخزرج من مواليد مكةالمكرمة 1381ه وتخرج في جامعة الملك عبدالعزيز في قسم الاجتماع وعين معيداً في نفس القسم وحصل على درجة الدكتوراه من جامعة هل في بريطانيا 1992م ويعمل عضو هيئة التدريس بقسم الاجتماع بجامعة الملك عبدالعزيز وسبق ان عمل مستشارا غير متفرغ بوزارة العمل والشؤون الاجتماعية وله العديد من الأبحاث المنشورة حول المخدرات وأضرارها. وبعد هذ التعريف تحدث الدكتور يحيى قائلا: بعد ان شكر اللجنة وإدارة النادي مداخلتي ايها الإخوة تنحصر في جمال المرأة والإحساس به من وجهة نظر المكفوف ثم اختم هذه المداخلة بعرض موجز لتصور الكفيف لجمال الطبيعة والاحساس به. المعلومات التي سوف تستمعون اليها تعتمد على دراسة ميدانية اجريتها لعدة أشهر مع مجموعة من الطلاب المكفوفين في جامعة الملك عبدالعزيز اضافة الى عدد من الأكفاء المتزوجين والذين يعملون في أعمال مختلفة في مدينة جدة. وكان ثلث المشمولين من الدراسة من المكفوفين كليا أي منذ الولادة والبقية كانوا أكفاء جزئيا منهم من يرى بصيصا من النور او الاضاءة والبعض يستطيع رؤية بعض الأشياء الكبيرة والبارزة كالأبواب والنوافذ في فترة النهار على ان تكون على مقربة كبيرة منهم ولكن رؤيتهم غالبا ما تكون ضبابية تختفي أثناء الليل. الدراسة تبحث في جوانب متعددة فهي تبحث في الصعوبات التعليمية التي يواجهها الكفيف في الدراسة الجامعية والجزء الآخر يتحدث عن الصعوبات التي يواجهها الكفيف في اختيار شريكة حياته. وقبل ان نتحدث عن تحديد الصفات الجمالية التي يبحث عنها الكفيف في المرأة ينبغي التأكيد على ان الكفيف لا يعرف معنى كلمة جمال او على ماذا تدل وهذه الكلمة هي مجرد مسمى او مفهوم مجرد في ذهنه فقط وفي واقغ الامر الاكفاء لا تتكون لديهم صورة ذهنية محددة المعالم لمعظم الأشياء التي يتعاملون معها في حياتهم اليومية وعلى وجه الخصوص تلك الأ شياء التي لا يستطيعون ان يلمسوها بأيديهم ليتعرفوا على حجمها او هيئتها فما بالك عندما تكون هذه الأشياء بعيدة المنال عنهم لكبر الحجم او لبعد المسافة فمثلا القمر والشمس والنجوم كلها مفاهيم مجردة في ذهن الكفيف يعرف المسمى وربما يصفها قليلا ولكن لا يدرك بالفعل الكيفية او الشكل الذي تتخذه هذه الأشياء. وترى ما هي السمات الجمالية التي يبحث عنها في المرأة وتمثل له أهمية خاصة من نتائج البحث اجمع المبحوثون على ان الجانب المعنوي في المرأة هو الشيء الذي يطلبونه والجانب المعنوي هو الدين والأخلاق وزادوا عليها أمورا اخرى ربما المبصرون لا يركزون عليها وهي الهدوء والرقة وخفة الظل والحنان كأهم المميزات التي يبحثون عنها في المرأة وعندما حاولنا ان نستحثهم اكثر على معرفة بعض التفاصيل اكثر للناحية الجسدية او الظاهرية للمرأة التي تعجب الكفيف يأتي من أهم الأمور الحسية لعلاقة الكفيف بالمرأة الصوت الصوت الجميل عند الكفيف يعدل الجمال الخارجي للمرأة ومن خلال الصوت يستطيع الكفيف ان يعرف بحرا واسعا من المعلومات. ليس عن المرأة فقط بل حتى عن الاشخاص الذكور الذين يتعامل معهم فالصوت يدل على الحسن هل سن المرأة كبير ام هي صغيرة وأيضا يدله على الحجم هل هي بدينة أم رشيقة بل حتى بعضهم من قوة الملاحظة والتركيز في السمع لدرجة قوية ربما يستشف نعومة بشرتها من خلال سماعه لصوتها وإن كان في الأمر قدرات وفروق فردية تختلف من شخص لآخر. وكذلك يعرف من خلال الصوت هل المرأة رقيقة المشاعر وهل هي صادقة في حديثها معه ام هي مخادعة كل ذلك يستطيع ان يتبينه من نبرات الصوت ومن الأشياء التي يطرب لها الكفيف هي مخارج الحروف بالنسبة للمرأة طبعا وتعني له أشياء جمالية بالغة الدقة وربما نحن لا نركز على هذه المسألة وهناك حرفان - حقيقة وانا مازلت ابحث حول هذا الموضوع - يحبهما الأكفاء بشكل كبير جدا لمخارجهما من فم المرأة وهما حرف السين وحرف الشين فمثلا كلمة شكراً فيدق الحرفان في نفس الكفيف برهافة حس ومسائل وجدانية كبيرة جدا وطريقة حركة فم المرأة حين تتحدث مع الكفيف نفسه فهذه الأمور يلاحظها الكفيف ويطرب لها. وقد استمرت محاضرة الدكتور يحيى الخزرج وما فيها من أشياء جميلة ومثيرة عن عالم المكفوفين وما فيها من معلومات مثيرة وجديدة لكثير من الذين حضروا تلك الأمسية المشبعة بالحديث عن الجمال خاصة لدى المكفوفين وكيف يتصورونه وكيف يتأثرون به بما يجعل الإنسان المفكر يحمد الله على كل نعمة وخاصة نعمة البصر ويسبحه ويمجده على عظيم صنعه وبديع اتقانه وعلى قدرته جل وعلا في تزويد الإنسان بملكات تعويضية كبيرة في حالة فقده لملكات أخرى فسبحانه جل وعلا ثم توالت التعقيبات من الحضور وتلاها تعقيبات الدكتورين . كما شارك في الحوار والتعقيب بعض المكفوفين الذين حضروا اللقاء وكان أبرزهم الاستاذ عمر العامودي الذي قال كلمة جميلة في تعقيبه وهي تكتمل فرحتنا بنظرة المجتمع إلينا .