منذ انهيار فبراير الماضي وحتى يومنا هذا واجهت صناديق الاستثمار في الأسهم المحلية كثيراً من المشاكل الإدارية والرقابية، ما ساعد على ظهور الشائعات حيال ما يجري فيها من تجاوزات. كان لانهيار السوق، وتحمل صناديق الاستثمار الخسائر الفادحة دوراً فاعلاً في تضخيم الشائعات، وزيادة حدة الانتقادات التي لم تستثنِ الجهات الرقابية والمالية. لم يقتنع المستثمرون بأداء إدارات صناديق الاستثمار في الأسهم المحلية، على وجه الخصوص، ما قادهم إلى التشكيك في إستراتيجيات الاستثمار التي باتت، (كما يقولون)، أقرب إلى خدمة كبار المضاربين منها إلى حماية اإستثمارات المساهمين. مع زيادة حدة الخسائر، وفقدان بعض المستثمرين لأكثر من 70 في المائة من أموالهم المستثمرة في الصناديق، بحث المستثمرون عن جهة الاختصاص التي يمكن أن تعينهم على حماية ما تبقى لهم من أموال، أو أن تساعدهم على كشف الحقائق وتجلية بعض الأمور الغامضة. ذهبت محاولات المستثمرين أدراج الرياح، فصناديق الاستثمار لم تكن على علاقة مباشرة بهيئة السوق المالية التي يفترض أن تكون المسؤولة عن جميع الأطراف الفاعلة في سوق الأسهم، كما أنها لم تكن تشغل حيزاً كبيراً من اهتمامات الجهات الرقابية الأخرى عطفاً على مشاغلها الكثيرة، واهتماماتها المتعددة. أصبحت صناديق الاستثمار تعمل ضمن المنطقة الرمادية التي تسمح لها بالتأثير على سوق الأسهم دون أن تخضع لرقابة هيئته، وتكفل لها التصرف بمئات المليارات من الريالات دون أن تُطبق عليها الأنظمة الصارمة التي تفرضها مؤسسة النقد على البنوك التي تعتبر جزء لا يتجزأ منها. المنطقة الرمادية، أو ما يمكن أن نطلق عليها (ازدواجية الرقابة) أدت إلى ظهور بعض التجاوزات التي أثرت سلباً على السوق، المستثمرين، والمتداولين، وساعدت في نزع ثقة المستثمرين من الصناديق وإداراتها التي لحق ببعضها الكثير من الشائعات غير المؤكدة. باختصار شديد، كانت الصناديق في حاجة ماسة لتوحيد جهة الاختصاص، إضافة إلى إصدار النظام الذي يمكن من خلاله وضع الأسس والمعايير الكفيلة بتطوير أداء صناديق الاستثمار، وإحكام قبضة الهيئات الرقابية عليها. وهو ما قامت بإصداره مؤخراً، هيئة السوق المالية، التي يرجع لها الفضل بعد الله سبحانه وتعالى في إنهاء المعضلة الإشرافية التي كانت تؤثر سلباً في أداء الصناديق، ومستوى ثقة المستثمرين حيالها. بإصدار لائحة صناديق الاستثمار تكون هيئة السوق المالية قد خطت خطوة متقدمة في إكمال التشريعات الخاصة بالسوق المالية، إن لم تكن قد أحاطت بها بالفعل. وتبقى الآن عملية تفعيل هذه اللوائح ومراقبة تطبيقها عن كثب من أجل تحقيق الكفاءة المطلوبة لسوق المال السعودية. اللائحة الجديدة التي تحتوي على الأحكام المتعلقة بتأسيس وطرح وحدات صناديق الاستثمار، التقارير، الإفصاح، الأحكام العامة، والأحكام المتعلقة بمديري الصناديق والإشراف على الصناديق من قبل مجالس إدارات الصناديق، وكذلك الأحكام المتعلقة بطرح الوحدات واستردادها وفئات صناديق الاستثمار قد أحكمت المتطلبات الأساسية الكفيلة بتحقيق الكفاءة التامة لصناديق الاستثمار، كما أنها ستعيد ترتيب جميع مايتعلق بصناديق الاستثمار وربطها بالجهة المسؤولة عن سوق التداول وهي هيئة السوق المالية المرجع الوحيد لسوق الأسهم السعودية، وستؤدي إلى الحد من المخاطر التي يمكن أن تتحملها السوق والمتداولين. وبذلك تكون الهيئة قد عملت على استكمال المنظومة التشريعية للسوق المالية من خلال وضع الأسس والمعايير السليمة لتطوير أداء صناديق الاستثمار في السوق المحلية. تضمنت لائحة صناديق الاستثمار عشرة أبواب رئيسة مقسمة إلى 52 مادة تفصيلية سنحاول في الأيام القادمة، بإذنه تعالى، طرح أهمها للمستثمرين.