ألم يأن الأوان لدراسة الولاياتالمتحدة أن تكون مجالاً معرفياً مستقلاً في بلادنا؟ ألم يتكون لدينا بعد عشرات السنين من الابتعاث والدراسة في أمريكا متخصصون يستطيعون أن يؤسسوا لأقسام علمية لدراسة الولاياتالمتحدةالأمريكية ومراكز بحوث؟ أعتقد جازماً أن مثل هذا القسم لو أنشئ غداً لوجد وفرة من الأساتذة للعمل فيه. إذن لماذا نتأخر وقد سبقنا العالم في هذا المجال؟ إذا كان لليابان علاقة خاصة بالولاياتالمتحدةالأمريكية اتسمت في بعض مراحلها بالاصطدام العسكري، فإن بين البلدين من العلاقات الثقافية ما يستحق أن يدرس دراسة عميقة. ذلك أن الحروب التي دارت بين البلدين جعلت كل منهما مهتماً بدراسة الآخر دراسة علمية واسعة. فنشأت في الولاياتالمتحدةالأمريكية العديد من الأقسام العلمية ومراكز البحوث لدراسة اليابان في شتى المجالات. كما أن اليابان شغلت نفسها بدراسة الولاياتالمتحدة فظهرت الأقسام العلمية بعد مخاض واستعداد حتى تكونت فيها العديد من البرامج للدراسات العليا والجامعية، كما تأسس فيها عدد من المؤسسات والهيئات التي تعنى بالدراسات الإقليمية ومنها على سبيل المثال: الرابطة اليابانية للدراسات الأمريكية، والرابطة اليابانية للدراسات الإقليمية، والرابطة اليابانية للدراسات الأوروبية، ومركز دراسات المناطق المدمج الذي تأسس في جامعة كيوتو في شهر أبريل من هذا العام بصفته المركز الثالث للدراسات الإقليمية في جامعة كيوتو التي تضم مركز دراسات جنوب شرق آسيا الذي تأسس عام 1965م، وكلية الدراسات العليا للدراسات الآسيوية والإفريقية التي تأسست عام 1998م. سعت اليابان إلى معرفة الولاياتالمتحدة في عدة مراحل من تاريخها الحديث، فبعد عزلة كبيرة فرضها بعض حكام اليابان استمرت ثلاثمائة سنة حيث أغلقت الحدود ومنع السفر والاتصال بالدول الأخرى وكان الانفتاح عام 1853م، وهنا فتح اليابانيون عيونهم على الغرب وسعوا إلى تقليده والتشبه به إلى حد ما. ولكن مرحلة التقليد لم تأخذ وقتاً طويلاً حتى أدركت اليابان أنها في حاجة إلى فهم الأمم الأخرى ودراستها دراسة علمية أكاديمية، فبذلت الكثير من الأموال والميزانيات لتحقيق هذه الدراسات. إن إدراك اليابان لأهمية دراسة الولاياتالمتحدةالأمريكية جعلها تنشئ العديد من مراكز البحوث والمعاهد والأقسام العلمية بعضها للمرحلة الجامعية وبعضها الآخر للدراسات العليا، فقد أنشأت جامعة دوشيشا مركز الدراسات الأمريكية عام 1958م، ثم تطور هذا القسم إلى برنامج للدراسات العليا في دراسات الولاياتالمتحدة عام 1991م. أمّا جامعة طوكيو فلديها مركز لدراسات دول المحيط الهادي والأمريكية وقد تأسس عام 2000م بعد أن كانت الجامعة قد أنشأت مركز الدراسات الأمريكية عام 1967م، وكان الهدف منه جمع المعلومات الأساسية والثانوية حول السياسات والاقتصاد والثقافة في الولاياتالمتحدةالأمريكية وكذلك المواد المتعلقة بالعلاقات اليابانيةالأمريكية. ولمّا أعيد تأسيس المركز ليضم دول المحيط الهادي تكونت لجنة مختارة من كليات الدراسات العليا في الآداب والعلوم والقانون والاقتصاد والعلوم الإنسانية والتربية وكذلك من معاهد العلوم الاجتماعية ومعاهد أخرى تهتم بالمعلومات والاتصال. ولدى المركز مكتبة متخصصة تحتوي ألوف الكتب بالإضافة إلى قسم الميكروفيلم الذي تستطيع أن تقرأ فيه الصحافة الأمريكية لعشرات السنين. والمملكة العربية السعودية التي تربطها بالولاياتالمتحدةالأمريكية كثير من الروابط السياسية والاقتصادية والثقافية والإستراتيجية في أمس الحاجة إلى إنشاء هذه الدراسات وبخاصة أن الولاياتالمتحدةالأمريكية لديها عشرات الجامعات التي تضم أقساماً لدراسات الشرق الأوسط والدراسات الإقليمية ودراسات الأديان، وتنال السعودية نصيباً وافراً من هذه الدراسات حتى إن هناك جمعية دراسات الخليج ضمن الرابطة الأمريكية لدراسات الشرق الأوسط. وقد شهدت العلاقات مع الولاياتالمتحدةالأمريكية العديد من المراحل وحتى الأزمات فكانت أحداث الحادي عشر من سبتمبر - على سبيل المثال - فرصة لبعض المغرضين للنيل من المملكة العربية السعودية ومحاولة الإساءة بشتى الوسائل للمملكة. ولا يمكن لنا أن نجعل هذه العلاقات تسير لمصلحة الطرفين دون أن يكون لدينا دراسات واسعة للولايات المتحدةالأمريكية من النواحي السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية. ويمكننا أن نوجه العديد من طلابنا في الولاياتالمتحدةالأمريكية إلى مثل هذه الدراسات على أن يتم الارتباط بين دراساتهم وبرامج في الجامعات السعودية للدراسات الإقليمية. والحقيقة أن فكرة إنشاء الدراسات الإقليمية ودراسات الولاياتالمتحدةالأمريكية لم تبدأ اليوم، فقد سبق أن قدم مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية بعد تأسيس وحدة دراسات العالم الغربي مشروعاً لإنشاء أقسام علمية ومراكز بحوث للدراسات الإقليمية في الجامعات السعودية ودعا عدداً من المسؤولين من وزارة التعليم العالي ووزارة الخارجية ووزارة الثقافة والإعلام ووزارة الشؤون الإسلامية ورابطة العالم الإسلامي والندوة العالمية للشباب الإسلامي والغرفة التجارية بالرياض. وقد اتفق المجتمعون على ضرورة الإسراع في إنشاء الدراسات الإقليمية في الجامعات السعودية واقترحوا أن تسارع وزارة التعليم العالي في دراسة إمكانية قيام هذه الدراسات. بل إن كاتب هذه السطور كان يدعو منذ عام 1395ه (1975م) إلى تأسيس مثل هذه الدراسات في مقالات ومؤلفات عديدة. بعد هذه الجولة مع الدراسات الإقليمية والدراسات الأمريكية أعود فأقول ألم يأن الأوان أن تبدأ الدراسات الأمريكية ودراسات الشعوب والمناطق الأخرى في الجامعات السعودية؟