أبقى في الوسط.. (أبقى في الوسط مع أبوك) هكذا ردد الجمهور نساءً ورجالاً مع المشهد الأخير من مسرحية (وسطي بلاوسطية ) التي تم عرضها في مسرح كلية اليمامة بالرياض مساء أمس الأول السبت ضمن فعاليات افتتاح الأسبوع الثقافي الذي تنظمه الكلية على مدار أسبوع عمل كامل يبدأ السبت وينتهي الأربعاء القادم. تفاعل الحضور كثيراً مع أحداث المسرحية التي ناقشت مايعتبره البعض أهم ظاهرة يشهدها الشارع السعودي في السنوات الأخيرة: ظاهرة صراع التيارات الفكرية المختلفة، والإفرزات المصاحبة لهذه الصراعات. ووفق رؤية إخراجية مبدعة عُرف بها المخرج رجاء العتيبي من خلال أعمال سابقة، شاهد الحضور مسرحيتين في مسرحية، حيث دمج العتيبي في العرض بين نوعين من المسرح وهما المسرح الجماهيري والمسرح النخبوي، حيث رافقت اللمحات الرمزية والتجريدية في العمل لمحات أخرى مباشرة وجماهيرية بحتة أبدع في تقديمها الممثل الجماهيري حبيب الحبيب وتفاعل معها الحضور كثيراً. (وسطي بلاوسطية) التي كتبها الدكتور أحمد العيسى تحكي قصة شاب ترك قريته إلى المدينة لإكمال الدراسة الجامعية وسط خوف شديد من والده (حبيب الحبيب) عليه، وهو الخوف الذي دفعه لمرافقته إلى المدينة بعد فترة لقضاء عدة أيام معه يراقب فيها سلوك ابنه ويستكشف أوضاع من اختارهم أصدقاء له، حيث يفاجأ الاب بأن ابنه يتردد على استراحتين مشبوهتين ومتاقضتين في الوقت نفسه، حيث يختلط في الأولى مع تيار فكري أصولي متطرف يردد معهم شعارات التكفير وقتل المعارضين حتى لو كانوا من الأبرياء المدنيين، بينما يمارس في الأخرى تهتكا وانحلالا مع تيار متحرر منسلخ من عاداته وتقاليده يتمايل على أنغام الأغاني الأجنبية وينادي بالغرق في أحضان الغرب وثقافته، هنا تأتي النهاية التي يحاول فيها الأب توجيه ابنه للبقاء في الوسط وألا ينجرف مع أحد التيارين، بعد أن اتضح من خلال حوار الأب مع قادة هذه التيارات رفضه لها وتمسكه بالوسطية، مركزا على وسطية الدين وعراقة العادات والتقاليد من خلال إنهاء المسرحية برقصة فلكلورية قدمتها فرقة عنيزة الشعبية. وأكد المخرج رجاء العتيبي ل(الجزيرة) أنه تعمد في المسرحية تقديم رؤيته المتمثلة في دمج الجماهيري بالنخبوي وذلك لحساسية الموضوع المطروح، مشيراً إلى أن الخطاب المباشر لن يؤدي الهدف، كما هو الحال مع الخطاب الجماهيري الساخر المجرد، وحول البصريات المبهرة في المسرحية قال: كان التركيز على البصريات ضروريا فنحن في عصر الإبهار البصري والمشاهد يتأثر به أكثر من تأثره بغيره، وأشار العتيبي إلى أنه حتى فرقة عنيزة الشعبية خضعت مشاركتها لشروط المسرح ولم تكن بشكلها الطبيعي، وقال: حاولت أن أقدم رؤية إخراجية متميزة للتغلب على الصراع الفكري الدائري بين وجهي المسرحين النخبوي والجماهيري وأتمنى أن أكون قد وفقت في ذلك. المسرحية كان لها تميز آخر يحسب لها وللقائمين عليها، حيث سمح للنساء بحضور العرض في الجانب المخصص للنساء في بادرة مميزة أسعدت النصف الآخر من المجتمع والذي كان حضوره بارزا حتى من خلال النص حيث تم توجيه الخطاب في مشاهد كثيرة إلى النساء اللواتي تفاعلن كثيرا مع المسرحية بالحضور والتصفيق متساوين في ذلك مع الرجال بعد حرمان امتد زمنا طويلا، وإن تخلل هذا الحرمان عروض نسائية خاصة بالنساء فقط وفي فترات محدودة من العام. كانت احتفالية المسرحيين بهذا العرض كبيرة، ووجه كثير منهم الشكر لإدارة كلية اليمامة على هذا الاهتمام بالمسرح، حيث اعتبرت المسرحية كورقة عمل وفعالية ثقافية فكرية ضمن فعاليات الأسبوع الثقافي، كما قال رجاء العتيبي في معرض شكره للكلية، كما تفاعل الكاتب المسرحي المتميز محمد السحيمي مع فكرة وجود عروض مسرحية في فترات أخرى من العام غير تلك التي يتم عرضها ضمن احتفالات أمانة الرياض بالأعياد، أو الأخرى في المهرجان المسرحي المقام ضمن فعاليات مهرجان الثقافة والفنون بالجنادرية كل عام. وقال السحيمي: أتمنى أن تصيب الغيرة كل المؤسسات الثقافية الأخرى حتى يسعدونا بأسابيع ثقافية أخرى على أن يكون المسرح في مقدمة فعالياتها. تجدر الإشارة إلى أن المسرحية شارك فيها النجم إبراهيم الحساوي ومحسن الشهري بالإضافة إلى فريق المسرح بكلية اليمامة والذي قدم مواهب واعدة تفاعل معهم الجمهور كثيرا، وكانت اللفتة التي توجت ذلك هي أسماء فريق الدعم الفني والتقني للمسرحية وإلى كانت أغلبها لطلاب من منسوبي الكلية ازدانت بأسمائهم شاشة العرض التي شاهد الجمهور من خلالها شارة البداية وأسماء فريق العمل كاملاً قبل أن تبدأ المسرحية. الليلة العرض الثاني هل تمنيت حضور المسرحية؟ إذا كنت كذلك فإن الفرصة لا تزال متاحة وما عليك بعد فراغك من قراءة هذه السطور سوى تجهيز نفسك للذهاب إلى كلية اليمامة مساء اليوم الاثنين أو بعد غد الأربعاء في الساعة الثامنة حيث يعاد عرض العمل خلال هذه الأوقات.