(مجموعة من المسلحين الفلسطينيين تتمركز في زقاق ضيق في بيت حانون، ينصبون منصة إطلاق صواريخ القسام على الأرض ويستعدون لقصف سديروت. لا ينتبه أحد منهم إلى أزيز حشرة صغيرة فوق رؤوسهم، ولو رفعوا رؤوسهم، ربما سيلاحظون دبوراً يطير باتجاههم بصمت.. هذا الدبور هو عبارة عن طائرة بدون طيار، يقوم بتصويرهم طوال الوقت ويبث الصور إلى غرفة العمليات في قيادة الجنوب. يقترب الدبور من المقاومين، و(يلسع)، وفجأة يحدث انفجار كبير وتتم تصفية المسلحين.عملية الاغتيال المتطورة هذه لم تحدث حتى الآن على أرض الواقع، إلا أنها لا تزال بمثابة (حلم إسرائيلي) يدغدغ خيال دولة إسرائيل عامة، وشمعون بيرس بوجه خاص.وفي حال نجحت الخطة التي يقوم بتطويرها القائم بأعمال رئيس الوزراء، بيرس، فلن يكون بعيداً ذلك اليوم، الذي يخرج فيه الجيش الإسرائيلي إلى الحرب وجنوده مسلحون بوسائل قتالية لا نراها اليوم سوى في أفلام الخيال العلمي. يتحدث بيرس في كل فرصة تتاح له حول النانوتكنولوجيا، وهو مجال علمي يعمل على بناء أجسام من لبنات أساسية، يصل طول كل واحد منها إلى نانومتر واحد فقط- جزء من مليون من الملليمتر. ويقول بيرس بحماس: (لقد أثبتت حرب لبنان أننا بحاجة إلى وسائل قتالية صغيرة جداً.. فمن غير المعقول أن نرسل طائرة تصل كلفتها إلى أكثر من 100 مليون دولار لملاحقة مخرب انتحاري واحد).حصل بيرس على ضوء أخضر من رئيس الوزراء إيهود أولمرت، في اختيار 15 خبيراً- من أفضل الأدمغة في الأجهزة الأمنية وفي المجالين التكنولوجي والأكاديمي، وتم تقسيمهم إلى طواقم، ويعكف هؤلاء الخبراء في الأسابيع الأخيرة على تطوير وسائل مستقبلية تستخدم النانوتكنولوجيا من أجل الأمن. وحتى الآن كان يجتمع هؤلاء الخبراء في مكتب بيرس أو في مختبرات خاصة أو حكومية. وفي الوقت نفسه يجري إقامة مكتب خاص لهم يحتوي على كل المعدات المطلوبة من أجل مواصلة عملهم. وفي حال أثمرت جهودهم، فسوف يزودون إسرائيل بالرد على مختلف التهديدات، مثل القسام والانتحاريين والصواريخ بعيدة المدى والأسلحة غير التقليدية. وقد كشف بيرس مؤخراً في عدد من المحاضرات المفتوحة عن جزء بسيط من هذه الأجهزة السرية التي يعمل هؤلاء الخبراء على تطويرها: - (جواهر ذكية): أجهزة تتألف من مجسات صغيرة يمكن نثرها في مناطق العدو - (الدبور الآلي): وهو مزود بمحرك صغير، وبإمكانه العمل كطائرة بدون طيار، والتسلل إلى أزقة ضيقة في مناطق العدو وتشويش أجهزة الاتصال وتصوير أهداف استخبارية وقتل مسلحين بواسطة إطلاق النار أو التفجير. - (قبضات آلية): لا يزال من غير الواضح كيف ستعمل هذه الفكرة المثيرة، إلا أن هدف الباحثين هو تطوير قبضات على شكل قفازات تزيد من قوة الجندي في الضرب واقتحام الأبواب ورفع أوزان ثقيلة. وبشكل نظري، يمكن أيضاً تطوير حذاء آلي يعمل بشكل مماثل، أو بدلة كاملة تزيد من قوة الجسم عامة. - (الغلاف المدرع): غلاف يبنى من جزيئات نانومترية من مواد خفيفة، لحماية الجندي من الرصاص والشظايا. وبشكل مماثل يمكن توفير غلاف خاص لوسائل النقل والمدرعات لحمايتها من الصواريخ. - (مجسات ضد الانتحاريين): مجسات صغيرة جداً يمكن تركيبها في أماكن عامة، وتستطيع أن تشخص الانتحاري عن بعد، بوسائل مختلفة مثل رائحة المواد المتفجرة أو الحرارة أو الوزن. وتشير التقديرات الإسرائيلية إلى أنه في حالات محددة من الممكن استكمال النماذج الأولى لكل واحد من هذه الوسائل القتالية خلال 3 سنوات. وينوي بيرس تجنيد مئات الملايين من الدولارات من كافة أنحاء العالم من أجل تمويل هذه الدراسات الأمنية.وكان بيرس قد عرض بعد هذه الأفكار على كبار المسئولين في الإدارة الأمريكية من أجل إثارة اهتمامهم وصولاً إلى التعاون مع إسرائيل في هذا المجال.تكنولوجيا النانو هي تكنولوجيا مستحدثة، وكلمة النانو مشتقة من كلمة نانوس الإغريقية وتعني القزم. ويتعامل العلماء والمهندسون مع المادة في هذا المقياس على مستوى دقيق جدا، أي على مستوى الذرات والجزيئيات النانومترية، ليس لبناء أجهزة نانومترية فحسب، بل لخلق مواد جديدة ذات خصائص مبتكرة وغير موجودة في الطبيعة، تفتح آفاقا جديدة في العلوم والتكنولوجيا، وتؤدي إلى تطبيقات حياتية مختلفة، بالإضافة إلى إمكانية تحريك الذرات والجزيئيات بدقة لإحداث تفاعلات كيماوية، مما يؤدي إلى تصنيع أو تعديل بعض الجزيئيات الأحيائية المهمة. وتتمثل قاعدة التقنيات النانومترية العلمية في مسألتين، الأولى بناء المواد بدقة من لبنات صغيرة، والحرص على جعلها صغيرة وهو ما يجعل المادة خالية من الشوائب وذات مستوى أعلى جدا من الجودة والتشغيل. والثانية أن خصائص المواد قد تتغير بصورة مدهشة عندما تتجزأ إلى قطع أصغر وأصغر، خصوصا عند الوصول إلى مقياس الن انو أو أقل، عندها قد تبدأ الحبيبات النانومترية إظهار خصائص غير متوقعة ولم تعرف من قبل أي غير موجودة في خصائص المادة الأم. بواسطة (إعادة ترتيب) الجزيئات والذرات في مواد موجودة، تسعى النانوتكنولوجيا إلى خلق مواد جديدة، يمكن بواسطتها إنتاج عدد لا حصر له من المنتجات. وقد أثمر البحث النانوتكنولوجي حتى الآن عن سلسلة من المنتجات الجديدة، بدءاً من غلاف شفاف للزجاج يمنع الاتساخ وثياب عسكرية تحمي الجندي من القنابل، وأقمشة جديدة لا يمكن أن تتسخ، وروبوت صغير يمكنه أن يتجول في شرايين الجسم لتنظيفه من بقايا الدهنيات التي تؤدي إلى النوبات القلبية.وأحد أهم المواد التي أنتجتها النانوتكنولوجيا هي (أنبوب الكربون)، وهو مادة خفيفة جداً ومرنة، ويمكن بواسطته إنتاج كوابل تستخدم ل(مصعد فضائي) ليصل إلى المحطة الفضائية على ارتفاع 36 ألف كيلومتر من الأرض، وتتيح لرواد الفضاء أن يواصلوا منها رحلاتهم إلى كواكب أخرى. وتعتبر الولاياتالمتحدة وبريطانيا واليابان وإسرائيل من الدول الرائدة في هذا المجال، وتستثمر الكثير من الموارد من أجل تطوير هذا الحقل.