تشكل ظاهرة العنوسة إحدى أبرز المشكلات والظواهر الاجتماعية السلبية التي تواجهها مجتمعات اليوم، وتدلل الأرقام والإحصاءات الحديثة عن تفشي العنوسة في المجتمع السعودي إلى حد مقلق، إذ امتدت العنوسة لتشمل حوالي ثلث الفتيات السعوديات اللاتي في سن الزواج، كما أن عدد الفتيات السعوديات غير المتزوجات ممن بلغن الثلاثين عاماً بلغ عام 2002م حوالي مليون و813 ألف فتاة، وجاءت منطقة مكةالمكرمة الأولى في نسبة عوانسها، تليها العاصمة الرياض، ثم المنطقة الشرقية، فمنطقة عسير ثم المدينةالمنورة وجازان والقصيم. متغيرات ثقافية واجتماعية وللتعرف على السر وراء انتظار ظاهرة العنوسة التقت الجزيرة مدير الإدارة العامة لمأذوني عقود الأنكحة بوزارة العدل فضيلة الشيخ محمد بن عبدالرحمن البابطين الذي قال: لا شك أن العنوسة من حيث إنها مشكلة موجودة في المجتمع أسبابها قد تكون قديمة نوعاً ما إلا أن تناميها في الوقت الحاضر أكبر وأوسع، ولعل مرد ذلك إلى عدة متغيرات اجتماعية وثقافية ومادية، وقد تكون الآلية التعليمية مؤشرا إلى عملية التأخر في الزواج المبكر، فتتجه الرغبة في التعليم والتواصل معه والانتهاء من المرحلة المتأخرة منه التي هي المرحلة الجامعية سواء للفتيان أو الفتيات، كما أننا لا نستطيع أن نحدد العنوسة في الفتيات، ففي المقابل الشاب كذلك إن صح التعبير يعاني من هذه المشكلة، فكثير من الشباب عزب يتأخر في الزواج، ولا يتطلع للحصول عليه في وقت مبكر لعدة اعتبارات معينة موجودة في المجتمع. وعن عدد عقود الزواج ووثائق الطلاق المسجلة في محاكم المملكة يقول الشيخ البابطين: آلية الإحصاء لمسائل الأنكحة سواء زواجاً أو إطلاقاً هي إحصائية سنوية تتم بمعدلات تتفاوت في مراحل السنة، وغالباً ما تتركز عقود الأنكحة في الإجازات سواء الإجازات الصيفية أو نصف العام الدراسي وما شابه ذلك، والإحصاءات الموجودة بين أيدينا هي إحصاءات سنوية تفاوت زيادة وقلة، لكنها من خلال العملية الإحصائية بين عامي 1414-1425ه في تنام وازدياد سواء في جانب النكاح أو جانب الطلاق. وعن تأثير عامل المغالاة في المهور وتكاليف حفلات الزواج الباهظة في تفشي الظاهرة يقول البابطين: لا نستطيع أن نقول: إن غلاء المهور عامل رئيسي في عملية تأخر طلب الزواج، لا شك أن غلاء المهور محفز لدى الشباب تجاه تثبيط طلب الزواج لكن هناك عدة أمور أخرى تتعلق بالحياة الزوجية مثل غلاء المساكن والإيجارات وقلة موارد الدخل لدى الشباب وقلة فرص التوظيف بالنسبة إليه، كذلك تطلعات الشاب لإنهاء دراسته الجامعية، وبعضهم يرغب في الدراسات العليا وما شابه ذلك، وتبقى قضية غلاء المهور ومتطلبات تحقيق الزواج عائق كبير في هذا الجانب لكنها ليست رئيسية، بمعنى لو انحلت هذه القضية قد تنحل المعوقات الأخرى الثانية، وتجد كثيرا من الشباب يتخذ أو يسعى لمسالك أخرى لتخفيف أعباء الزواج من خلال الاتصال بالجمعيات الخيرية وتقديم معونات والكتابة إلى بعض المحسنين لطلب دعم هذا الشاب إلى الزواج، والكتابة إلى المؤسسات الرسمية مثل بنك التسليف لطلب قرض زواج وما شابه ذلك، وهذا كله مؤشر إلى أن تكاليف الزواج مكلفة، ومن ثم يعمد الشاب بعد ذلك إلى إيجاد قنوات ممولة له لتحقيق أمنيته ورغبته في إحصان وإعفاف نفسه. عادات اجتماعية وعن انتشار بعض العادات الاجتماعية الخاطئة مثل حجز الفتاة لقريبها أو تزويج البنت الكبيرة أولاً ودورها في تفشي العنوسة يقول الشيخ البابطين: ربما كان هذا السلوك الاجتماعي موجودا في فترة ماضية بدرجة كبيرة، لكني أتوقع من خلال ملامسة وقائع اجتماعية أن هذا الأمر أصبح منحسرا وقليلا جداً، وفي مواطن ضيقة جداً لا تتجاوز المحيط القبلي والعشائري تقريباً، أما في المواقع الحضرية وما شابه ذلك فهو قليل جداً أو نادر. أما ظاهرة تأخير زواج الصغيرة لأجل الكبيرة فهي موجودة، وقد تراعي للجانب النفسي في هذا الجانب، لكن في الحقيقة هذا ليس مانعا أبداً من تزويج الصغيرة قبل الكبيرة إذا تقدم إليها من يرغب فيها، وهي تتطلع إلى ذلك الشخص وتتوافق معه في هذا الجانب، ومن الممكن لو أن هذا الأمر استمر ولم يكن هناك توعية وإرشاد وتنبيه أن يكون أحد مقتضيات العنوسة. وفيما يتعلق بزواج الشباب السعودي من الأجنبيات يقول البابطين: بالنظر إلى اللائحة التي صدرت من وزارة الداخلية في ضوابط وشروط الزواج من الأجنبية يدرك أن هذا النوع من الزواج يكاد يكون قليلا ومحدودا في فئات معينة من المجتمع تعذر زواجهم من المواطنات السعوديات لأسباب معينة إما لقصور في جانب الخلقة أو لكبر السن، أو عدم وجود ما يناسب في مقابل سنه ومن ثم تأتي عملية الزيجات من الأجنبيات قليلة ومحدودة وفقاً للشروط والضوابط، ولا أظن أنها ستبلغ إلى حد تؤثر في الزواج الداخلي، لكن الإشكالية هي أن كثيرا من الشباب بدأ يعمد إلى عملية الزواج بنية الطلاق من الأجنبيات على وجه عدم الاستقرار والانتظام مع ما يقع من مخالفة نظامية في هذا الجانب، إلى أن غالب هذه الزيجات تقع بدون أذونات رسمية وموافقات من الجهات المختصة في المملكة العربية السعودية، كذلك فيما يتعلق بالزواج من الأجنبيات المولودات في المملكة هذا موجود ومعالج وفق لائحة لهذا الأمر تضم هذا الشيء. وذكر الشيخ البابطين بأنه توجد لجنة مختصة بوزارة الداخلية تعنى بالنظر بتلك الطلبات، وتقدر الأسباب المقتضبة بالموافقة على الزواج بالأجنبية تتعلق بأمور معينة مثل رجل لم يستطع أن يستقر مع زوجته السعودية وأنجب منها أولادا كثرا، ومن ثم يتعذر قبوله لدى بنات المجتمع نتيجة هذا الوسط الذي يعيشه اجتماعياً مع أولاده وطلاق سابق، وما شابه ذلك، ومن ثم تقدر هذه الحالة وفي مقابل تقدمه في السن نوعاً ما فيعطى الإذن بالزواج من الأجنبية. ورأى بأن إقامة حفلات الزواج الجماعي وإيجاد قنوات تدعيم لطالبي الزواج أحد المحفزات الكبيرة جداً لعملية إقبال الشباب على الزواج، وتبقى قنوات أخرى محفزة لهذا الجانب مثل دور بنك التسليف وزيادة القرض المقدم للشباب في هذا الجانب، وأقترح في هذا الشأن تشكيل لجان لعملية إيجاد البرامج والآليات المناسبة لدعم الشباب للزواج وتوفير السبل الموصلة والداعمة لتحقيق متطلبات الزواج لدى الشباب في ظل المتغيرات الثقافية الآن ووجود وسائل إعلامية متعددة لجذب وإغراء الشباب إلى مسالك غير مقبولة والمرفوضة شرعاً ونظاماً، وإيجاد لجان تدرس وتعالج هذا الشيء لتذليل الصعوبات التي يواجهها الشباب في اتجاه تحقيق الإحصان لأنفسهم. تعدد الزوجات وعن رفض غالبية الشباب فكرة تعدد الزوجات يعلق البابطين: التمنع من التعدد لدى الشباب لا أظنه تمنعا لذات التعدد لكن ربما المعوقات تجاه تحقيق الزواج العادي الانفرادي نفسها هو الذي يجعل الشاب لا يتطلع إلى التعدد، وإلا لو تسأل كثيرا من الشباب لرغب في التعدد لكن ظروفه لا تساعده على ذلك، وقبل أن نقول: إن التعدد هو حل لقضية العنوسة لا بد أن تكون لدينا إحصائية دقيقة في عدد الفتيات وعدد الفتيان في هذا الجانب، لكن قد يكون التعدد بعض الأحيان إشكالية، فقد لا يوفق الإنسان في تعدده مثل عدم العدل والإنصاف والنفقة ومتطلبات التعدد ليست بالأمر السهل، فله متطلبات نفسية واجتماعية ومالية، ويقترح التبكير إلى عملية الزواج من قبل الشباب والشابات دون النظر لاعتبارات أخرى سواء كانت اجتماعية أو تعليمية أو غيرها طالما أن المرء قادر على الحياة الزوجية وله المورد المالي يمول به حياته الزوجية، وعدم إدخال أطراف أخرى في عملية الزواج نفسها والاقتصار على رأي الأب أو الأخ الأكبر، أو ما شابه ذلك، فله جانب مهم جداً في تحقيق متطلبات الزواج، فوجود أطراف أخرى قد يسبب عملية إرباك للشاب أو الشابة. مع الشباب الشاب عيسى عايد العنزي يعتقد أن غلاء المهور مسألة مبالغ فيها كثيراً فهو لا يراها عائقا أمام الشاب لإكمال نصف دينه، ويقول: أعتقد أن دفع مهر بمبلغ 40 ألفا أو 50 ألفا ليس بالشيء الكبير في مقابل امرأة تعيش معها طوال حياتك، وهي مسألة نسبية تختلف من عائلة لأخرى، فأنا تزوجت بمهر يبلغ 50 ألفا، والدارج في المجتمع دفع 50 أو 60 ألفا، وبعضهم يشترط مهرا يتعدى 80 أو 100 ألف، وهنا المشكلة فكيف يدبر الشاب 100 ألف ريال؟ ولا يرى أن الدراسة والتحصيل العلمي عقبة تجاه الشباب نحو الزواج ويقول: على العكس الزواج شيء يساعدك على الدراسة، وبالنسبة لي أنا في السنة الأخيرة في الجامعة، وعندما أتخرج سأتزوج والآن تمنعني ظروفي من ذلك. وعن تأثير البطالة في تأخر سن الزواج يقول: إذا كان الشاب راتبه في حدود ألف أو ثلاثة آلاف ريال شهرياً وطلب منه مهر ب100 ألف ريال فكيف يتدبر هذا المبلغ؟ والواجب على المجتمع مساعدة الشباب العاطل على الزواج. ويرى فريد محمد الهلالي أن عدم النضج الفكري والنفسي لدى بعض الشباب سبب رئيس ومهم في عزوفهم عن الزواج وأن المراهقة هذه الأيام تطول أكثر عن السابق، ويضيف أن بعض الشباب يضع مواصفات خيالية في زوجة المستقبل إذ يريدها حسب ما يرى في التلفزيون بنفس الجمال والجاذبية. أما سعيد محمد مريشد فيرى أن زيادة المهور وارتفاعها السبب الأساسي في تفشي العنوسة فقصور الأفراح إيجاراتها بمئات الألوف إضافة إلى تكاليف الزواج الأخرى الباهظة. أما منصور العتيبي فيقول: أعتقد أن غلاء المهور هو السبب الرئيس في تفشي هذه الظاهرة، فأنا دفعت لقصر الأفراح 60 ألفا والمهر 100 ألف.. أنا وضعي يسمح لي بالزواج لكن غيري من الشباب لا يقدر تحمل هذه المبالغ، وأنا دفعت هذه الأموال رغماً عني وإلا لم أتزوج، فكل عائلة بها تطلعاتها كما يقولون ولا بد لها من إقامة حفل الزواج في قصر أفراح معين! وعن تأثير عامل البطالة في ظاهرة العنوسة يقول العتيبي: لقد تقلص تأثير هذا العامل بعد ما بذله خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله- حفظه الله- من فتح مجالات توظيف كثيرة للشباب السعودي.