(أستاذٌ) في أسلوب الحديث كما في إدارة وزارته التي جذبت الأضواء أثناء العدوان الإسرائيلي وما بعده، الدكتور خالد قباني، وزير التربية والتعليم العالي في حكومة الرئيس فؤاد السنيورة، الذي لطالما يرافقه، ربما لما يجمع الرجلين من صداقة ودماثة أخلاق ووسطية في التفكير والتصرُّف، كان أستاذاً لمواد القانون الإداري ولتاريخ لبنان السياسي الحديث، وغيرهما من المواد في الجامعة اللبنانية وغيرها، فإذا به يدخل الحكومة وزيراً للعدل ثم وزيراً للتربية، تقلّب في مناصب كثيرة، لعلّ الأكثر ثباتاً منها في ذاكرة اللبنانيين، اشتراكه في مؤتمر الطائف الذي أنهى الحرب بين (الإخوة) في العام 1989م .. وزير التربية اليوم يتذكّر اتفاق الطائف وضرورة التزام الجميع به لأنّ هذا الاتفاق (هو الذي أمن سلام لبنان وحقق المسيرة التي أعادت لبنان على خريطة العالم) .. زرنا الوزير خالد قباني في مكتبه في مقر الوزارة في الأونيسكو، فجرد ل(الجزيرة) المنجزات التي قامت بها وزارته خلال العدوان الإسرائيلي في حرب تموز - يوليو وما بعدها .. كما تحدث في ملفّات عديدة ... وفيما يلي نصّ الحديث. * معالي الوزير، بدأ العام الدراسي في لبنان بعد تحدِّي العدوان الإسرائيلي وما نجم عنه من خسائر مادية ومعنوية، فكيف تقدرِّون حجم الخسائر وكيف استطعتم في وزارة التربية أن تتخطّوا الخسارة؟ - الحقيقة أنّ العدوان الإسرائيلي أحدث خسائر كبيرة وواضحة جداً بالنسبة للبنان وكل قطاعات الإنتاج والبنية التحتية، ذلك أنّ العدو الإسرائيلي لم يترك منطقة ولا مكاناً في لبنان إلاّ وطالته يده الآثمة، وبدأ بضرب الجسور والطرقات ليقطع الأوصال بين المدن والقرى اللبنانية، وامتدت يده بعد ذلك إلى كلِّ الأبنية السكنية وإلى المدارس والمستشفيات وأيضاً قوافل الإسعاف والمواد الغذائية، ولم يترك مكاناً في لبنان إلاّ وحاول تدميره وإلحاق الأضرار به، إلاّ أنّ حجم الضرر الذي لحق بالقطاع التربوي قد يكون الأكبر ذلك أنّ المدارس الرسمية والخاصة قد تعرّضت للقصف المباشر من قِبل المدفعية والطائرات الإسرائيلية مما أدى إلى تدمير أكثر من خمسين مدرسة في الجنوب اللبناني والضاحية الجنوبية لبيروت بشكل كامل، وألحق أضراراً متفاوتة الحجم بأكثر من ثلاثمائة وخمسين مدرسة تقريباً في هذه المناطق، فضلاً عن ذلك هناك أضرار غير مباشرة قد لحقت بالمدارس التي لجأ إليها النازحون والمهجرون من القرى الجنوبية والضاحية الجنوبية، أنا كوزير تربية فتحت كل المدارس الرسمية لاستقبال النازحين والمهجرين منذ اليوم الأول للعدوان أي منذ 12 تموز - يوليو الماضي، وبطبيعة الحال بعد توقُّف الأعمال الحربية ومغادرة النازحين لهذه المدارس وعودتهم إلى قراهم وبلداتهم، بدأنا بعملية إعادة البناء والإعمار في كل القطاعات ومنها أيضاً القطاع التربوي، هناك أكثر من ثمانمائة مدرسة أيضاً تضررت بسبب إقامة النازحين فيها، وبدأنا أيضاً منذ تاريخ توقُّف العدوان في 14 آب - أغسطس بإعادة البناء والإعمار وإعادة ترميم وتأهيل المدارس التي لجأ إليها النازحون، إضافة إلى الأضرار المادية، هناك أضرار تتعلق بالصحة النفسية للأولاد الذين شهدوا على هذه الحرب المدمرة التي قامت بها إسرائيل. من هؤلاء الأولاد من تعرّض مباشرة للقصف الإسرائيلي، ومنهم من أُنقذ من تحت الأنقاض، ومنهم من قضى أكثر من شهر كامل في المدارس التي نزح إليها الأهالي وعايش الفزع وحالة التشرُّد، وهذا أيضاً قد ينعكس بشكل واضح على مسيرة حياة هؤلاء التلاميذ مما يتطلّب منا أن نعالج أوضاعهم. كما أنّ هناك العديد من الأساتذة قد استشهدوا أيضاً وتعرّضت منازلهم للدمار والأضرار، أو نقلوا أماكن سكنهم، وهذا ينعكس أيضاً على توزيع الأساتذة على المدارس. كلُّ هذه الأضرار الكبيرة لحقت بالقطاع التربوي. * رغم ذلك معالي الوزير، أنت كنت مصراً على أن يبدأ العام الدراسي بوقته في 16 تشرين الأول - أكتوبر، وقلت إنّ البرامج سنضغطها، وإنّ هذه الأضرار المعنوية والمادية سنتغلّب عليها، كيف استطعتم ذلك؟ - في الحقيقة أثناء العدوان الإسرائيلي كان العديد من الأهالي يتصلون بي ويسألونني عما إذا كنت أنصح بإرسال أولادهم إلى الخارج لمتابعة الدراسة حتى لا تفوتهم هذه السنة الدراسية. وتعلم مدى اهتمام اللبناني بأمر تعليم أولادهم، فهم يقطعون لقمة العيش عن أفواههم من أجل تعليم أبنائهم، وكنت أقول لهم دائماً، والقصف الإسرائيلي ينهمر على كل البلدات والمناطق، إنّ هذه السنة الدراسية ستكون سنة طبيعية وعادية، وسنعمل بكلِّ طاقاتنا من أجل إنقاذ هذه السنة الدراسية حتى لو اضطررنا إلى أن نستعمل البيوت الجاهزة في الساحات العامة وفي الحدائق وفي ملاعب المدارس التي لجأ إليها النازحون، أو في ملاعب المدارس التي تعرّضت للضرر، وسنواجه هذا الضرر وسنواجه هذا التحدي؛ ولن نمكن إسرائيل من أن تعطِّل مسيرتنا التربوية ومسيرة هذه السنة الدراسية التي يرتبط بها مصير ومستقبل أولادنا وأهلنا، والبعض كان يراهن كثيراً على أن هذه السنة الدراسية لن تكون ولن نتمكن من تجاوز هذه المحنة، وبالتالي كان يعتبر، وربما استناداً إلى الوقائع وإلى ما كان يحصل، أن هذه السنة الدراسية ستتعطل، وكان إصراري أننا سنستطيع أن نتجاوز ونواجه كل التحديات وكل الصعوبات مهما كلف الأمر، وكان في ضميري وفي ذهني أن أشقاء عرباً لن يتركونا في هذه المحنة وسيساعدوننا بعد انتهاء العدوان، كما ساعدونا أثناء العدوان، بدعمهم لنا في مواقفنا السياسية، وفي مواقفنا مع دول القرار ومع مجلس الأمن ومع الأممالمتحدة، وأنت تعلم أن قوافل المساعدة لم تنقطع عن اللبناني، والتي جاءت من الدول العربية الشقيقة، وخاصة من المملكة العربية السعودية. وأريد هنا إذا سمحت لي، أن أشير إلى أهمية المبادرة التي جاءت من قِبل خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز - حفظه الله -، منذ اليوم الأول أو اليومين الأولين للعدوان، حين بدأ اللبنانيون يخشون على أرصدتهم في البنوك وبدأوا بتحويل هذه الرصائد إلى البنوك في الخارج خوفاً من انهيار العملة ومن انهيار الاقتصاد بسبب حجم هذا الدمار الإسرائيلي الذي لحق بلبنان، فكانت تلك المبادرة الكبيرة بإرسال وديعة مليار دولار إلى البنك المركزي. أهمية هذه الوديعة ليس في هذا المبلغ الكبير التي أرسل، ولكن في رمزيتها وفي الرسالة التي أعطتها المملكة العربية السعودية للبنانيين، من أنها لن تدع اقتصاد لبنان ينهار ولن تدع العملة اللبنانية تنهار، وأن المملكة ضامنة لاقتصاد لبنان ولمالية لبنان. * خصوصاً أن لبنان لم يطلب ..؟ - وهذا يدل على مدى الحب الكبير الذي يكنّه خادم الحرمين الشريفين والمملكة للبنان ومدى حرص المملكة على استقرار لبنان، وهي التي رعت مسيرة السلام في لبنان منذ اتفاق الطائف سنة 1989 ثم أعقبت ذلك أيضاً بهبة بمبلغ 500 مليون دولار لمساعدة اللبنانيين ودعمهم وتعزيز صمودهم، وأكدت للعالم أن لبنان لو تركه العالم كله، فالسعودية لن تترك لبنان وستقف إلى جانبه، وفي الحقيقة لهذا كنت دائماً على ثقة واطمئنان أن المملكة لن تتركنا في مسيرتنا التربوية. * وحصل دعم الملك عبد الله لطلاب لبنان في موضوع تسجيل الطلاب ودفع الرسوم عن كل التلامذة في المراحل قبل الجامعية؟ - نعم .. عندما توقّفت الأعمال الحربية، بادرت المملكة إلى وضع كل إمكانياتها في سبل معالجة الوضع التربوي وساعدتنا في هذا الأمر، وكانت المبادرة بتأمين كل الأقساط والرسوم المدرسية لكل تلامذة لبنان في المدارس الرسمية وفي كل مراحل التعليم ما قبل الجامعي، وقد كان لهذه المكرمة من المملكة أطيب الأمر في نفوس اللبنانيين لأنّها خففت كثيراً من أعبائهم، ولاسيما كما يعلم الجميع أن الموسم الدراسي كان على الأبواب وأن هذا الموسم يحمل أعباء كثيراً على الأهالي، في وقت كان لا يستطيع الأهالي أن يتحملوا أي عبء من الأعباء لأنّ كثيرين قد فقدوا أرزاقهم وبيوتهم وموارد عيشهم ولأنّ الكثير من المؤسسات الإنتاجية في لبنان قد أقفلت أبوابها وسرحت عمالها وبالتالي بات اللبنانيون عاجزين عن تحمُّل الجزء البسيط من الأقساط المدرسية أو من الكتب المدرسية أو من اللوازم المدرسية، فجاءت هذه المكرمة لتفرج قلوب اللبنانيين وتخفف عنهم هذا العبء. * إذا أردنا التحدث عن أرقام، ما عدد الطلاب المستفيدين وكم تبلغ هذه المساعدة؟ - عدد الطلاب الذي استفادوا من هذا الإعفاء للأقساط المدرسية يتراوح بين خمسة وثلاثين ألفاً وأربعين ألف طالب في مختلف مراحل التعليم في المدارس الرسمية، وقد بلغت قيمة هذه المساعدة نحو 20 مليون دولار تقريباً. * وصفت هذه الهبة بأنّها مساعدة أبوية من الملك عبد الله بن عبد العزيز .. صحيح أن المملكة صرفت مبالغ كبيرة أخرى، إلاّ أنّ هذه المساعدة بالذات أظهرت أنّ خادم الحرمين الشريفين يتصرف هنا بصفته أباً؟ - الملك عبد الله يعتبر أنّ اللبنانيين أبناؤه جميعهم .. هو لا يفرق بين لبناني وآخر، وهذه سياسة المملكة، تعامل اللبنانيين على حد سواء وتهتم لأمن لبنان واستقراره لبنان ومسيرة لبنان الاقتصادية والسياسية والمالية والاجتماعية والتربوية أيضاً، علماً بأنّ هذه المكرمة قد اقترنت أيضا بمكرمات كثيرة منها المستشفى العسكري الميداني الذي رافق كل العمليات الحربية. ولا يزال المستشفى العسكري حتى هذه اللحظة يهتم بأمر اللبناني ويعالج المرضى ويقدم لهم الدواء مجاناً ويقدم العمليات مجاناً أيضاً بالرغم من أن هذه العمليات الحربية انتهت منذ اكثر من شهرين، وقوافل المساعدات لم تنته حتى هذه اللحظة، ونحن لا ننسى وقوف المملكة في المحافل الدولية لدعم لبنان وللوصول إلى قرار وقف إطلاق النار من أجل التخفيف عن معاناة اللبناني. * ماذا عن الكتاب المدرسي، الذي تم تأمينه أيضاً بدعم من دولة الإمارات؟ - دولة الإمارات العربية المتحدة لم تتأخر في دعم ومساعدة لبنان وقد تبنّت إعادة بناء وترميم وتأهيل كل مدارس الجنوب اللبناني ضمن محافظتي الجنوب والنبطية باستثناء تلك المدارس التي توّلتها بعض الدول العربية الأخرى، وقد تسلّمنا من دولة الإمارات حتى هذه اللحظة أكثر من 180 مدرسة في الجنوب اللبناني تم ترميمها، وقد تمكنا بفضل ذلك من أن نفتح مدارسنا في الوقت الذي عيّناه أي في 16 تشرين الأول - أكتوبر، وقد بدأت المدارس الرسمية التدريس الفعلي في هذا التاريخ وكان هذا بحد ذاته إنجازا كبيراً لأنه لم يكن أحد يتوقع أن تفتح المدارس بعد أسبوع واحد من الموعد الرسمي لفتح المدارس في السنوات العادية، الإمارات إذاً قدّمت لكل تلامذة لبنان بكل مراحل التعليم ما قبل الجامعي الكتب مجاناً، وقيمة هذه المكرمة تتجاوز 13 مليون دولار أي ما يعادل 20 مليار ليرة لبنانية، وقد بدأنا نحن بتوزيع الاستمارات على كل المدارس في لبنان وبدأ توزيع الكتب مجاناً على كل تلامذة لبنان، هناك بعض الدول الشقيقة أيضاً التي نشكرها جزيلاً وهي التي ساهمت ودعمت ووقفت إلى جانبنا أثناء العدوان وما بعد انتهاء العمليات الحربية وهي لا تزال تدعمنا حتى هذه اللحظة ولم تتخل عنا إطلاقا وهي تساهم في عملية إعادة النهوض والبناء والإعمار لكل المناطق اللبنانية. أريد في هذه المناسبة أيضاً أن أكون منصفاً بحق دولة رئيس مجلس الوزراء فؤاد السنيورة وهو الذي قام بجهود جبارة جداً في هذه المرحلة أثناء العدوان وما بعده، وما كسبه من ثقة كبيرة من الدول الشقيقة العربية ومن دول العالم مكّنته من أن يربح المعركة الدبلوماسية في مجلس الأمن ويتوصل إلى إصدار القرار 1701 بالشكل الذي صدر فيه بعد أن كان يأخذ مساراً مختلفاً ولا يحقق مصالح لبنان. وبفضل هذا القرار استطعنا أن نحقق تحرير الأرض اللبنانية في الجنوب من جديد وعودة إسرائيل إلى ما بعد الخط الأزرق أي بعد الحدود اللبنانية الدولية فضلاً عن أنه منذ توقّف العمليات الحربية اهتم بمسألة إعادة البناء والإعمار للمناطق التي تهدمت أو أصيبت بالضرر، واستطاع باتصالاته العديدة وبفضل ما يملك من صداقات مع الدول الشقيقة ومع دول العالم أن يؤمّن المساعدات الكثيرة إلى لبنان في كل قطاعات الإنتاج ومن قطاع التربية بطبيعة الحال. * معالي الوزير، الرئيس نبيه بري أعاد الدعوة إلى جلسات تشاور لا حوار .. كيف تنظر إلى لبنان مستقبلاً : كما نريده مستقراً، أم مكاناً للصراعات الإقليمية ودولية الأخرى؟ - نحن الهم الكبير الذي يتحكم فينا الآن هو كيف نجنِّب لبنان من أن يكون ساحة للصراعات الدولية والإقليمية لأن لبنان دفع كلفة كبيرة منذ أكثر من 30 سنة، لا نريد لبنان أيضا ساحة لتصفية الحسابات، فلبنان وأهله دفعوا الكثير وضحوا بالكثير ولا يستطيعون بعد الآن أن يتحولوا إلى ساحة للصراعات الدولية أو لتصفية الحسابات، بات على اللبنانيين الآن أن يلتفوا حول بعضهم البعض وان يقفوا جميعاً قلباً واحداً ويداً واحدة وموقفاً واحداً من اجل إنقاذ لبنان وإعادة بنائه وإعماره من جديد. وهذا الأمر لا يمكن أن يكون إطلاقاً إلا من خلال الحوار، الحوار البنّاء، الحوار الديمقراطي، يجب على الجميع أن يشاركوا في هذا الحوار وان يعبِّروا عن مواقفهم وعن آرائهم حول طاولة مستديرة يجتمعون من حولها ويطرحون كلَّ القضايا بصورة صريحة لكي يصلوا معاً وجميعاً إلى العودة إلى مسيرة لبنان، مسيرة البناء ومسيرة الإعمار ومسيرة السلام التي بدأها الرئيس الشهيد الحبيب رفيق الحريري إنه هو الذي بدأ مسيرة إعادة بناء لبنان وإعماره بعد أن دمِّر خلال حرب أهلية دامت أكثر من 15 سنة وبدأ هذه المسيرة منذ سنة 1990 وخاصة بعد اتفاق الطائف الذي كان للمملكة العربية السعودية الفضل الكبير في احتضان وفي نقل لبنان هذه النقلة النوعية من الحرب إلى السلام. أنا أرى أنّ هذا الوقت ليس للمصالح الفئوية والخاصة والمناطقية وليس الوقت للأنانيات. هذا الوقت لإعادة البناء ويجب أن نرتقي فوق مصالحنا الفئوية والمناطقية والحزبية والسياسية من أجل الاهتمام باللبنانيين وإعادة بناء مناطقهم. * هل ترى أن المسؤولين واعون لذلك؟ - أن أرى أنّ أهم شيء إعادة بناء الدولة القادرة والعادلة والقوية لكي تأخذ على عاتقها ومسؤوليتها الاهتمام بأمن اللبنانيين وسلامهم ومصالحهم وتأمين معيشتهم وطموحاتهم. ولا يمكن أن يحل أحد محل الدولة. الدولة هي التي يجب أن تحتضن الجميع وأن تؤمِّن مصالحهم وهي التي تحقق السلام والأمن للجميع، وبالتالي على الجميع أن يكونوا إلى جانب الدولة لا أن يستقووا على الدولة بشكل من الأشكال لتحقيق مصالحهم أو تطلُّعاتهم السياسية وغير السياسية، هذا ما يجب علينا جميعاً أن يجتمع عليه ويجب أن يلتف حوله إرادات اللبنانيين، وأعتقد أنّ الفرصة قد حانت الآن بعد أن تقدّم الرئيس بري بهذه المبادرة لإعادة الحوار بين اللبنانيين، أنا أرى أن هناك سباقاً بين التصعيد والتهدئة. التصعيد يدمر لبنان ونحن لا نريد تدمير البلد بعد أن دمّرته إسرائيل مراراً وبعد أن دمِّر بالحروب الأهلية التي حصلت، يجب أن نسير جميعاً في طريق التهدئة وفي طريق السلام الأهلي لا في طريق التصعيد والعنف التي لن يؤدي خدمة لأحد على الإطلاق، بعد هذه الحرب التي دمرت فيها إسرائيل ما دمرت، يجب أن نأخذ عبرة من ذلك وان نتكاتف جميعاً وأن نتحاور في سبيل معالجة كل مشاكلنا الداخلية، هناك شعار جميل جداً وذو مغزى كبير لا بد من التوقف عنده رفعه الشيخ سعد الحريري وهو شعار (لبنان أولاً)، هذا الشعار ينطوي على مضمون غني ومهم جداً. (لبنان أولاً) يعني لا شرق ولا غرب. (لبنان أولاً) معناه أن مصالح لبنان يجب أن تقدم على أية مصلحة أخرى. و(لبنان أولاً) يعني أن على اللبنانيين أن يلتفوا حول بعضهم البعض وان يكونوا يداً واحدة في سبيل تحقيق مصالح اللبنانيين وبناء لبنان الذي نتوق إليه جميعاً. بناء الدولة اللبنانية هو الهم الكبير التي يجب أن نعمل عليه جميعا، وهنا يجب التمسك بالمبادئ والثوابت التي جاء فيها اتفاق الطائف، لأن هذا الاتفاق هو الذي أمن سلام لبنان وهو الذي حقق تلك المسيرة التي أعادت لبنان على خريطة العالم والثوابت التي تضمّنها هذا الاتفاق، هي أساسية في حياة لبنان، ومن ذلك العيش المشترك والوحدة الوطنية والتضامن اللبناني. اتفاق الطائف يعني أن لبنان عربي الهوية والانتماء، هذا الانتماء إلى العروبة هو الذي يؤدي أيضاً إلى اعتبار لبنان جزءاً من الأمة العربية. ونحن في كل الحروب التي مرت علينا خصوصاً في الحرب الأخيرة التي شنتها إسرائيل علينا لم نجد إلاّ الدول العربية أمامنا لتقف إلى جانبنا، وهذا يؤكد على أهمية هذا التضامن العربي الذي من شأنه أن يساعدنا في مسيرتنا. فما أكده الطائف من أن لبنان عربي الهوية ولانتماء هو أساسي وجوهري فضلاً عن نهائية لبنان بمعنى أن لبنان هو وطن نهائي لجميع أبنائه. هذه القيم الدستورية والأساسية التي يرتكز عليها الكيان اللبناني والتي تعتبر حصانة بالنسبة للبنان تضاف إليها قيم الحرية وقيم الحق والعدالة والمساواة هي التي تعزز مسيرة وطننا وتجعلنا موحّدين ومتضامنين، وتؤكد على أنّ للبنان رسالة حقيقية في هذه المنطقة وفي العالم كلِّه.