تهفو القلوب، وتتنادى همم المسلمين، ويفتح المؤمنون صدورهم لينعموا بروحانيّة شهر الرّحمة والعبادة والمغفرة. يعود إلينا رمضان بحلَّته البهيّة، ونوره المشرف يبشِّر المؤمنين المستغفرين بقبول التّوبة والعودة بهم إلى حظيرة الإيمان أنقياء من كلِّ إثم، واعدين الله سبحانه بتوبة نصوحٍ، ترفع أعمالهم في هذا الشهر إلى سدَّة الرحمن لتكون لهم عوناً في يوم الحساب. نستقبله بالروح والوجدان، واعدين أنفسنا أن نكون عباد الله الممتثلين لحُكمه وأمره وشريعته .. وتفتح المملكة العربية السعودية صدرها لاستقبال وفود المعتمرين، رسل السلام إلى نور الحق جلَّ وعلا، رافعين الأكف بالدعاء لصلاح هذه الأُمّة، وسائلين الله بحاجاتهم وهو السميع العليم، ليغسلوا عن أطرافهم أدران ما أصابهم من خطايا، وكلُّنا خطَّاؤون وخير الخطَّائين التوابون. نسأل الله أن يكون لنا رمضان شهر خير وبركة وأمن وسلام، وبذل وعطاء إلى المحتاجين الذين ينتظرون منا كلَّ بِرٍّ في هذا الشهر الكريم، تتقدّمنا كوكبة من قادة هذه الأُمّة الإسلامية في معقل الإسلام ومهد الرسالة، في أرض المملكة الطهور وعلى ترابها الذي تعطَّر بخطوات رسول الرّحمة سيِّدنا محمد عليه الصلاة والسلام وصحابته الكرام وصولاً إلى سادة هذا البلد الأمين. ولقد كان في خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز الأُسوة والمثل الصالح، عندما أقدم كما عوّدنا على طريق البِرِّ لشعبه في لفتة إنسانية قلَّ نظيرها، وتعبيراً عن الوفاء إلى الذين قدَّموا أرواحهم رخيصة في سبيل الواجب ومن أجل حماية رفعة الوطن وأمن هذه الأُمّة، الشهداء الأبرار، شهداء الواجب. لفتة كريمة أزجت كلَّ معاني الوفاء والخير إلى أُسر الشهداء، وحققت ميزان التآخي بين أفراد الشعب الواحد، متضامنين متكافلين كلٌّ يسعى لحماية هذا الوطن وهذه الأُمّة من عبث العابثين المضلّلين الذين سعوا إلى الفساد وإهلاك الحرث وتدمير هذا البلد الأمين. فقد أهدى خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز - حفظه الله - مبلغ (50) ألف ريال لكلِّ أُم وزوجة شهيد من أمهات وزوجات شهداء الواجب البالغ عددهم 47 شهيداً. وقد تفضَّلت صاحبة السمو الملكي الأميرة عادلة بنت عبد الله بن عبد العزيز بتسليم هذه الهدايا لأمهات وزوجات شهداء الواجب خلال الحفل الذي أقامته جمعية النهضة النسائية الخيرية قبل أيام في الرياض بمناسبة اليوم الوطني، تعبيراً عن الحرص الكبير الذي يحفظه خادم الحرمين الشريفين في قلبه الكبير إلى كلِّ من قدَّم لهذا الوطن الحماية والأمن. وقد شاركت في الاحتفال صاحبة السمو الملكي الأميرة صيتة بنت عبد العزيز التي قدَّمت بدورها هدايا ثمينة لأمهات وزوجات شهداء الوطن. كما قدّمت جمعية النهضة النسائية دروعاً تذكارية لهنَّ سلَّمتها صاحبة السمو الملكي الأميرة سارة الفيصل آل سعود رئيسة الجمعية. إنّ الكلمات الطيِّبة التي قالتها سمو الأميرة سارة رئيسة جمعية النهضة النسائية في الحفل أثلجت صدور أُسر الشهداء، وحققت لهم ذلك المجد الذي يسطع على جباه من قدَّموا أرواحهم فداءً للوطن، فقد قالت سموها فيما قالت: (إنّ اليوم الوطني السادس والسبعين للمملكة ذكرى تعيد للأذهان ملحمة النصر التي قادها مؤسِّس هذه البلاد، وإنّ اجتماعنا اليوم نعبِّر فيه عن حبنا وولائنا لهذا الوطن الذي أنعم الله عليه سبحانه وتعالى بالخير الوفير، وعلى أبنائه بالرفاهية والعيش الرغيد، إنّنا في يوم الوطن، هذه المناسبة الغالية، نفتخر بوجود أمهات وزوجات الشهداء الذين قدَّموا أرواحهم فداءً لتراب هذا الوطن الغالي للذَّود عن ثراه والحفاظ على أمنه واستقراره، مجدِّدين بذلك الولاء جيلاً بعد جيل، وداعمين لكلِّ من يساهم في نهوض هذه البلاد وأهلها). هذا هو شهر الخير، تتسامى فيه صوالح الأعمال، وتسعى النفوس الطاهرة إلى تحقيق مساواة فريدة بين أبناء هذا الوطن، عندما يشعر الفرد أنّه في ضمير القادة، وفي حسبانهم وفي اهتماماتهم. لقد تكرَّر هذا المشهد على صورة احتفالات شعبية، وتقاليد تراثية، وأغنيات وطنيّة، أبقت على ألق التقاليد العريقة التي يختصُّ بها المجتمع السعودي في منطقة جازان ونجد وحائل والمدينة المنورة والمنطقة الشرقية، عبّرت عن تلك المعاني، وأرَّخت يوماً جديداً في تاريخ هذه الأُمّة في الذكرى السادسة والسبعين للمملكة ورائدها الخالد صقر الجزيرة الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود - طيَّب الله ثراه -. عندما تتحقق المؤاخاة بكلِّ صورها بين القادة وأفراد الشعب، يصبح الأمان مسألة مفروضة، وتصبح التضحية بالغالي والنفيس لحماية هذا البلد واجباً على كلِّ فرد، فالوطن يقوم ويسمو بهمَّة أفراده المخلصين. رحم الله شهداءنا الأبرار، وأسكنهم فسيح جنّاته كما وعدنا في كتابه الكريم، وألهم أهليهم الصبر والتقى .. نسأل الله أن يتقبَّل صيامنا وقيامنا، وأن يعيد علينا رمضان بالنصر والخير والبركات، وكلُّ عام وأنتم والأُمّة بخير، والله من وراء القصد. الرياض - فاكس: 014803452