شهد السوق هذا الأسبوع في بدايته صعودا إيجابيا ثم دخل في مسار تراجعي أقرب للمسار الأفقي، إلا إنه انهار في آخر أيام التداول ليسجل نزولا عنيفا نسبيا بنسبة 3.33% بما أفقده كافة المكاسب التي أحرزها على مدى الأسبوع. وحدث ذلك في ظل الزيادة المطردة للسيولة المتداولة التي لم تعد المعيار الرئيسي لصعود أو نزول المؤشر في ظل توالي انتكاساته مع توالي الزيادات الآنية في هذه السيولة، وهو الأمر الذي يثير الجدل حول كيف ولماذا حدثت هذه التراجعات في المؤشر رغم إيجابية كافة المعطيات في الاقتصاد الوطني وأيضا المعطيات في سوق الأسهم؟ لماذا هذا الذعر الجماعي؟ أين هم صناع السوق؟ بل أين هم صناع الأسهم؟ لماذا لا يقومون بالدور المنوط بهم كما في الأسواق العالمية الأخرى؟ ولماذا هذه الانتقائية غير المبررة في جني الأرباح؟ إن أهم ما يمكن تقديمه الآن هو تحديد ماهية الأسهم التي كانت مجالا للتركيز في جني الأرباح خلال هذا النزول العنيف، وذلك للتوصل وتحديد ما إذا كان لا يزال هناك أمل في الاعتماد على قوى العرض والطلب في خلق التوازن في هذا السوق؟ نزول المؤشر... هل جني أرباح طبيعي أم جنون أرباح في أسهم بعينها؟ أحرز المؤشر هذا الأسبوع نزولا عنيفا بنسبة 1.87%، فرغم صعوده من مستوى افتتاح 11455 إلى 11709 في أول أيام التداول بنسبة 2.22%، إلا أنه انحدر في اليوم التالي بنسبة 0.31% ليغلق عند 11672، ثم تراجع يوم الاثنين بنسبة 0.55% ليغلق عند 11608، ثم ارتد يوم الثلاثاء ليكسب 18.81 نقطة ليغلق عند 11627 ثم بدون مقدمات انحدر بشكل عنيف يوم الأربعاء ليغلق عند 11240.5 نقطة خاسرا نحو 386.6 نقطة بنسبة 3.33%. ويفسر كثير من المحللين هذا التراجع في يوم الأربعاء بأنه جني أرباح طبيعي، وأنه كان منتظر، بل إن حدوثه أفضل من تأخره، حيث إن كل تأخير في جني الأرباح يتوقع معه جنى أرباح أكثر قسوة. إلا إننا نتساءل: لماذا يحدث جني الأرباح فقط وبقسوة مع كل بادرة صعود في أسهم العوائد أو الأسهم القيادية الكبرى؟ ولماذا في كل جني أرباح لاحق لصعود القياديات يتم تحصيلها كاملة في تلك القياديات الراكدة ولا نرى ذلك في أسهم المضاربة الخاسرة بل والمتضخمة؟ فماذا حدث هذا الأسبوع؟.. يسعى الجدول (1) لتفسير ذلك، حيث منه يتضح أن جني الأرباح لا ولم يحدث بالشكل العشوائي الذي تحدث به المضاربات، وإنما يحدث انتقائيا بحيث يتم تقليص كل وأي نسبة صعود تحققها أسهم العوائد الرئيسية، فلا اهتمام بجني أرباح أسهم المضاربات الخاسرة والمتضخمة، ولا خوف من فقاعاتها التي يمكن أن تنفجر في أي لحظة، ولكن على ما يبدو أن الخوف هو من صعود القياديات. فمع كل نسبة صعود تنتعش في ظلها أسهم العوائد الاستثمارية الرئيسية في السوق نفاجأ بجني أرباح قاسٍ وعنيف، ليس للأسهم التي نالت حظا وافرا من الحركة والانتعاش والصعود حتى غير المبرر فنيا أو أساسيا، ولكن للأسهم الراكدة التي نالت حظا وفيرا من الإحباط لكافة المستثمرين، إن هذا لا يمكن أن يطلق عليه جني أرباح ولكن يمكن تسميته جنون أرباح، لأن المراهنة على استقرار السوق باستقرار وركود القياديات على مدى ستة أشهر تقريبا عند ذات المستويات السعرية إن استمر على هذا الحال فسوف يفقد السوق السمة الاستثمارية الحائرة حاليا لدرجة أن البعض أصبح يعتقد أن السوق هو للمضاربة في تلك الخاسرة وأنه لا استثمار ولا معايير. إن مرحلة أصعب وأكثر تشاؤما يمكن توقعها مع استمرار هذا الحال الانتقائي يمكن أن يتسبب في هروب السيولة وخروجها من مضجعها إلى أسواق أخرى أصبحت متوافرة في السوق المحلي مثل أسواق المال العالمية وأيضا أسواق العملات التي بدأت تنتعش، بالطبع على ركام سوق الأسهم المحلي. بمعنى آخر لماذا ولمصلحة من يتم جني الأرباح بهذه القسوة في أي نسب مبدئية لصعود أسهم الاستثمار الرئيسية في السوق؟ إشارات حيرة في مؤشر السيولة الأسبوعية المتداولة إن الزيادة المطردة في السيولة المتداولة لا يمكن الاعتماد على صدق مدلولاتها في وقت نال فيه الخداع حتى من المؤشرات الفنية والأساسية، فالسيولة المتداولة هو مؤشر لا يعبر فقط عن دخول سيولة جديدة للسوق، ولكنه يعبر أيضا عن حركات البيع والشراء الإجمالية لذات الأسهم ولذات الكميات، فيمكن أن تكون النسبة الأكبر من هذه الزيادة في السيولة هي ناجمة عن تدويرات لا تغني ولا تفيد ولا تضيف للسوق جديدا، بالفعل زادت السيولة المتداولة من مستوى 142.5 ملياراً الأسبوع الماضي إلى 163.4 ملياراً هذا الأسبوع، إلا إنه في ذات الوقت يوجد مؤشرات أخرى تعزز أن التدويرات هي السبب في النسبة الأكبر من هذه الزيادة. رغم جنون الأرباح.. بدء تعديلات تصحيحية هيكلية في توجهات السيولة لا يزال نزيف الخسائر والنزول المتواصل في مؤشر قطاعات العوائد مستمرا حتى الآن، حيث شهد قطاع الصناعة أعلى نسبة تراجع هذا الأسبوع بنسبة 5.6%، تلاه قطاع الاتصالات بنسبة تراجع 4.21%، ثم الأسمنت بنسبة تراجع 3.48% إلا إنه على الرغم من ذلك وأيضا رغم تدني نسب التراجع في القطاعات غير الاستثمارية التي تغلب عليها الأسهم ذات الأداء الضعيف، فإن السيولة المتداولة على مدى الأيام الستة الماضية شهدت تعديلا تصحيحيا هيكليا في توجهات السيولة الأسبوعية، حيث تراجعت مساهمة قطاع الخدمات الذي كان ينافس القطاع الصناعي على مرتبة أعلى سيولة أسبوعية متداولة من 34.3% في الأسبوع الماضي إلى 31.5% هذا الأسبوع. كذلك الحال تراجعت مساهمة القطاع الزراعي من 20.4% إلى 17.1%، في المقابل تزايدت مساهمة القطاع الصناعي في السيولة الأسبوعية من 37.7% الأسبوع الماضي إلى 43.9% هذا الأسبوع، كذلك الحال شهد قطاع الكهرباء زيادة في السيولة الأسبوعية، حيث ارتفعت مشاركته من 1.8% إلى 2.4% هذا الأسبوع-انظر الجدول رقم (2). إن كافة الدلائل تؤكد بدء حدوث تصحيح للأوضاع الخاطئة من خلال ابتعاد تركيز السيولة عن القطاعات المتضخمة والخاسرة. إلا إنه على ما يبدو أن هذا التصحيح يتم بطريقة ذكية حيث يصاحبه حتى الآن تجميع وشراء (قوي أحيانا) في كثير من الأسهم في تلك القطاعات الخاسرة التي تنسحب منها السيولة خفية. فعلى مستوى الأداء الأسبوعي، لا تزال قطاعات الخدمات والزراعة هي الأقل من حيث معدلات النزول الأسبوعية، إلا إن ذلك لا يمكن أن يؤكد أنها لا تتعرض لتصريف. أين ركزت المضاربات هذا الأسبوع؟ يوضح الجدول (3) أعلى عشرة أسهم من حيث نسبة مشاركتها في السيولة المتداولة الأسبوعية، حيث يتضح أن غالبية هذه الأسهم جاءت من الأسهم الصغيرة باستثناء المواشي، كما أن ستة منها من الأسهم التي تضخمت خلال الفترة الأخيرة، وأنها جميعا باستثناء السيارات ذات مكررات ربحية مرتفعة، كما أنها تفوق المستوى المقبول لنسبة السعر إلى القيمة الدفترية. إلا أن المفاجأة هي أنه رغم تركيز السيولة المتداولة في هذه الأسهم ورغم الأداء المتميز لها في الصعود حتى آخر يوم تداول ورغم النزول العنيف يوم الأربعاء الماضي، المفاجأة أنها تشهد تصريفا، وليس كما ما يبدو من الشكل الظاهري أن بها تجميعاً وشراء قوياً، فلا شراء ولكن تصريف وخروج رغم أنها تمثل المساهمة الأكبر في حجم السيولة المتداولة. -انظر الجدول رقم (3). هل بدأت دورة صعود القطاع البنكي؟ في مقابل التصريف الخفي الذي شهدته بعض الأسهم المتضخمة هذا الأسبوع، شهدت بعض أسهم القطاع البنكي شراء وتجميعا سواء على مستوى العديد من فئات صغار المتداولين وأيضا كبار المضاربين. تمثلت هذه الأسهم تحديدا في الهولندي والفرنسي وسامبا والراجحي. ولعل هذا التجميع يبدو مبررا في ظل المؤشرات الجذابة لهذه الأسهم، حيث جاء مكرر ربحيتها (باستثناء الراجحي الذي ارتفعت مكرر ربحيته إلى 36.7) أقل من 22 مرة. كما أن هذه الأسهم من الأسهم القليلة التي لم تنل نصيبها من الارتفاع خلال فترة ما بعد تصحيح فبراير- انظر الجداول (4)(5)(6).