لليوم الثامن على التوالي تستمر موجة صعود المؤشر بعد طول نزول امتد لشهور طويلة، فقد أظهر المؤشر هذا الأسبوع تماسكا وثباتا فوق مستوى 7119 الذي انطلق منه إلى مستوى 7882 نقطة في إغلاق الأربعاء الماضي، وقد استعاد المتداولون ثقتهم بالسوق والمؤشر إلى الدرجة التي أصبح كثير منهم يروج لانتهاء عصر التصحيح نهائيا بلا عودة، وامتدت حالة التفاؤل إلى التنبؤ بالعودة إلى مستويات 8500 تمهيدا للصعود إلى 9600 نقطة، وبدأت تطفو على السطح من جديد تحليلات Zigzag واليوتات وغيرها التي تحث على التفاؤل والمزيد من الطلب والشراء ليس على أسهم العوائد التي يعتبرونها نالت حظاً وفيراً من الصعود والانتعاش على مدى الأيام الثمانية الأخيرة، ولكن امتدت التوصيات إلى التصويت بقوة لأسهم شركات خاسرة يروج البعض أنها ستبدأ حركتها القوية خلال أيام قليلة، وأنها ستعطي كعادتها أكثر مما أعطته أسهم القياديات التي باتت تتصف بالثقل والتقتير في عطاياها السوقية. إلا ان أطرافا أخرى ترى أن هذا الصعود لا يمكن تفسيره بانتهاء التصحيح، وأن ما يحدث ما هو إلا انتعاش يراد به تصريف، وأن للتصحيح بقية. فأيهما أصدق؟ وأيهما تؤيده تجارب الماضي في السوق؟ وماذا يمكن أن يخفي صناع السوق في جعبتهم لصغار المتداولين؟ وعلام يعتمدون في ضمان نجاحهم؟ المؤشر يربح 10.7% في ثمانية أيام منذ فترة ليست بالقصيرة والمؤشر لم يربح مثلما ربح خلال الأيام الثمانية الأخيرة للتداول، فقد صعد المؤشر من مستوى 7119 نقطة إلى مستوى 7882 نقطة رابحا نحو 10.7%، وهو معدل يعتبر إيجابيا، وبخاصة أن المؤشر أبدى استقرارا فوق مستوى ال7000 نقطة بعد تأسيس قاع عند 6767 نقطة في نهاية يناير الماضي، أيضاً الملفت للانتباه أن حركة المؤشر لم تأخذ الاتجاه الأفقي أو الصفري نهائيا، بل انها تأخذ المسار الرأسي المتحرك لأعلى بدون حتى تذبذب أو انكسارات. فهل خرج المؤشر من تصحيحه بالفعل؟ أم أن ثمة محفزات أخرى تدفعه في هذا المسار؟ وهل هذه المحفزات حقيقية أم مفتعلة؟ هل يتكرر سيناريو الصعود ب 3500 نقطة؟ إن حركة ومسار المؤشر بهذا الشكل خلال الأسبوعين الأخيرين تثير مخاوف وقلقا أن تكون مفتعلة أو متعمدة من صناع السوق، فالتعمد أو افتعال مثل هذا المسار - إن كان مفتعلا - يمكن أن يصب في طريق وحيد وهو أن صناع السوق يخفون مآسي جديدة لصغار المتداولين بهذا الصعود. فلسوء الحظ أن كثيرا من القمم التي تحرك إليها المؤشر خلال الشهور التسعة الأخيرة لم تكن سوى قمم تصريفية تستهدف إضفاء انتعاش كبير على السوق والمتداولين، يستمر ويتماسك صعود المؤشر في إطار هذا الانتعاش لأيام قد تطول حتى يبلغ المؤشر قمة معينة محسوبة ومخططة، عندها يحدث سقوط رأسي. وهذا السيناريو الأليم - الذي نتمنى أن لا يتكرر - حدث بالفعل عندما تحرك المؤشر من مستوى 10147 نقطة في مسارات أفقية وصفرية، ثم تحولت فجأة إلى مسار صعودي، صعد فيه المؤشر بشكل عنيف حتى بلغ قمة 13500 تقريبا، وعندها حدث سقوط رأسي لم يتمكن أي من المتداولين - الصغار طبعا - من الخروج أو البيع. وراج بعدها أن معظم المحافظ الاستثمارية الكبيرة أو على الأقل العدد الرئيسي منها كان خارج السوق ساعة السقوط. علام يعتمد كبار المضاربين في تنفيذ خططهم؟ إن المراقب لتحركات كبار المضاربين في السوق على مدى العام المنصرف يلحظ أن معظم استراتيجياتهم في المضاربة وخداع صغار المتداولين قد نجحت وبشكل كبير، فكل قمة استهدفوها وصلوا إليها لتصريف أسهمهم، كما أن كل قاع استهدفوه للتجميع وصلوا إليه أيضا. فكيف يحققون ذلك؟ إن صغار المتداولين هم من يساعدونهم على ذلك من خلال السير في قطعان جماعية أو ما يعرف بتحركات القطيع، إلا ان تحركات القطيع موجودة في كل الدول، ولكن في كثير منها لا تنجح استراتيجيات كبار المضاربين كما هي في السوق المحلية للأسف؟ يقول البعض إن السوق المحلية بها حلقات احتكارية سواء لمستثمرين منفردين على أسهم بعينها (يعني مستثمر فرد يستحوذ على حصة كبيرة في أسهم شركة معينة) أو لتكتلات فيما بين المضاربين أو ما يعرف بالمجموعات، إلا أن كل ذلك غير كاف حتى نرى النجاح الكبير لاستراتيجياتهم، إنهم يعتمدون في الحقيقية على أمر آخر غريب، وهو السيولة النائمة التي تتصف بضخامتها وسهولة استفاقتها، وسرعة تحركها، بل انها تنتظر وتترقب، وبأقل القليل يمكن تحفيز تحركها. فضلا عن أن القدر الأكبر من هذه السيولة منذ بداية عام 2005 قد تم تجميدها لاقتناص الفرص في سوق الأسهم. باختصار فإن كبار المضاربين يعرفون تماما أن هناك سيولة ضخمة خارج السوق يمكنها أن تضمن خلق طلب زائد يعزز أي عملية مفتعلة لتصعيد المؤشر عند أي قمة يصرفون عندها. ومن جانب آخر يعتمدون على حالة فقدان الثقة في المؤشر لدعم أي عملية مفتعلة لتنزيل المؤشر إلى قاع يجمعون عنده. دلائل توجب الحذر على الرغم من أنها توحي بضرورة استغلال الصعود؟ إن حركة المؤشر بقيادة أسهم العوائد، دون العديد من أسهم المضاربة المعتادة، يبرهن على أن موجة الصعود قد تستمر بعض الوقت، وبالتالي فإنها يمكن أن تحقق أرباحا مجزية خلال الأيام المقبلة لمن يجيدون عملية المضاربة، وذلك على الرغم من كل ما يثار حول عملية جني الأرباح المتوقعة. هاجس جني الأرباح!!! جني الأرباح في حد ذاته يمثل هاجسا من أن تنكسر فيه موجه الصعود الحالية، وبخاصة أن المتداولين أصبحوا حساسين جدا لأي هبوط، إلا أن حركة التداول وتماسك المؤشر على الرغم من عدم وصول معدلات السيولة المتداولة إلى المستوى المعتاد للسوق، تدلل على أن توجهات صناع السوق هي لحمل المؤشر إلى قمة حتى بدون سيولة. فمستوى السيولة المتداولة لا يزال ضئيلا نسبيا، وعلى الرغم من ذلك فالمؤشر والقياديات كل يوم تحقق انتعاشاً جديداً، أي أن هناك رغبة تكتلية من جانب صناع السوق لتصعيد المؤشر جبريا. باختصار، فإن جني الأرباح غير متوقع أن يستمر طويلا أو حتى أن يكون عنيفا، على الرغم من وجود احتمال ضعيف بأن يتسبب جني الأرباح في انكسار موجه الصعود. الاعتقاد الخاطئ بإمكانية الخروج دائماً حال النزول! مما يوجب الحذر هو عدم وجود تفسير منطقي لموجة الصعود الحالية. بداية لا يمكن تفسيرها بانتهاء حقبة التصحيح، وإلا لماذا كان النزول إلى قاع 6767 ؟ وقد نوهنا كثيرا إلى أن القاع الأخير للمؤشر سيستقر عنده فترة من الزمن قد تطول، وقد حدث ذلك في تجارب كل الدول التي مرت بتصحيحات عنيفة مشابهة، حيث إنه لا يعقل أن ينزل المؤشر لقاع ثم يصعد إلى مستوى فوقه بأكثر من 1115 نقطة، فلابد أن نعلم أن كل نزول يعد مكلفا وباهظ الثمن لصناع السوق. أي أن فرضية انتهاء التصحيح غير دقيقة أو منطقية الآن. وعليه فإن ما يحدث قد يمثل تحركات مفتعلة تخطط للوصول إلى قمة معينة يتم عندها أو قبلها مباشرة التصريف. ومما يدعم هذه الفرضية وجود إعلانات عن أسهم منحة مجانية ترتبط بالبنوك. إن حدث ذلك، فإن إمكانات الخروج تصبح ضئيلة عند حدوث انكسار الموجة الصاعدة، حيث إن الانكسار يتسبب في حالة من الذعر التي عندها لا أحد يرغب في الشراء، فقد تستمر في عرض أسهمك أياما وأياما ولا تجد من يشتريها، وفي كل يوم تنخفض أسعارها بالنسبة الدنيا، كل ذلك يوجب فقط الحذر في تصور المستقبل والاحتياط بعدم المضاربة بكامل السيولة خلال الموجات القصيرة. الاتصالات والبنوك هما الرابحان الأكبر في السوق لقد طرأت تغيرات كبيرة على الأداء القطاعي هذا الأسبوع من أبرزها احتلال القطاع البنكي مرتبة متقدمة كأعلى ربحية، حيث ربح نحو 7.3%، وقد جاء بعد الاتصالات التي حققت 8.4%، وهو ما يثير القلق. فكيف وبم نفسر هذه التحركات المفاجئة لهذين القطاعين؟ هل تخلى الصناع فجأة عن سياسة التحسين والجذب الاستثمارية من خلال أسهم هذين القطاعين القياديين؟ بالطبع لا. والغريب أيضاً أن قطاعات المضاربة قد جاءت ما بين خاسر وراكد هذا الأسبوع، فقد خسرت الخدمات -0.83% في حين لم تربح الزراعة سوى 1.5% فقط. سامبا والراجحي على قمة الرابحين.. فهل من مفاجآت؟ لقد تحسن أداء السوق وسار هذا الأسبوع في مسار يظهر صحوة استثمارية، فقد تحركت سبع من كبريات القياديات في السوق وأحرزت عوائد معنوية، وهو مسار إن تحقق في أي سوق لحكم عليه بالنضوج. فسامبا والراجحي، ثم ساب، ثم الاتصالات، ثم الفرنسي، فسابك، وأخيرا الكهرباء. ولكن دائماً التحركات الصعودية للراجحي أو سامبا تظهر مفاجآت. السوق والقرارات المعلقة!! رغم كل ما يثار من مخاوف من حدوث نزول جديد في أي لحظة بناء على تحليل حركة التداول التي قد تنطوي على قدر من الافتعال، فإن السوق يبدو - على الرغم من صعوده - عند مستويات جذابة ماليا مقارنة بمستوياته في الماضي. فقيمة رسملة السوق لا تزال تتحرك حول مستوى الناتج المحلي الإجمالي، بل إن كل التوقعات تشير إلى مستوى الناتج سيفوق بفارق معنوي هذه القيمة خلال هذا العام. كما أن مكرر السعر إلى القيمة الدفترية للسوق تبدو مقبولة نسبيا عند 3.68 مكرر، أيضاً هو الحال لمكرر السعر للعائد الذي بلغ هذا الأسبوع 15.87 مكرر. وهذه المستويات مشابهة لكثير من أسواق المال العالمية ليس الصاعدة منها فقط ولكن الناضجة أيضا. رغم كل ذلك، فإن السوق خلال الفترة الحالية تنطوي على قدر من الغموض يتسبب في صورة ضبابية، نتيجة وجود العديد من القرارات المعروفة المعلقة والأخرى التي قد تأتي مفاجئة وسيناريوهات ثالثة يمكن أن تعلن، وغيرها الكثير. فتقسيم السوق وتعليق الشركات الخاسرة أو حتى طردها من السوق، وطرح اكتتابات جديدة وتغييرات مجالس إدارات وأسهم مجانية وغيرها لا أحد يعلم متى ستصدر أو كيف ستؤثر؟ بل إن أكثر المحللين اطلاعاً الآن لا يمكن أن يجيب عن التساؤل حول : هل الاستثمار في هذا السهم يمكن أن يكون مجزيا على المدى البعيد أو المتوسط؟ حيث تصعب الإجابة لأن لا أحد يستطيع أن يتنبأ أين سيكون المؤشر غدا، وبالتالي فمهما كانت أرباح السهم من توزيعاته النقدية في سنوات، فإن خسائره السوقية يمكن أن تلتهمها في شهور قليلة. ولكن الأمر الوحيد المؤكد أن كل من هم بالسوق ينبغي أن يعرفوا جيدا كيف يستفيدون من كل صعود أقصى استفادة ممكنة. التحليل الفني.. تنبأ بالصعود وفوات الأوان في الهبوط!! إن السوق تمر بفترة انتعاش ينبغي استغلالها لمن يضاربون، إلا أن ذلك ينبغي أن يحدث في ظل الحذر الشديد من بناء التوقعات حول المستقبل، فبداية من الصعب التعويل بشكل كبير على التحليل الفني في الوقاية من شر انكسار وتراجع المؤشر، وبخاصة أن كثيرا من مرات الهبوط في الماضي حدثت بسرعة وفجأة وبدون مقدمات، لذلك، ينبغي للمضاربين استغلال فترة الصعود، ولكن بشكل تنخفض معه درجة المخاطرة إن حدث - لا قدر الله - هبوط مفاجئ. د. حسن الشقطي - محلل اقتصادي ومالي