كنت في فترة من شبابي مولعاً بقراءة بعض ما يقع تحت يدي من كتب (الفلسفة) كجزء من ترف الثقافة وحب الاطلاع حتى وإن كرهتُ فيها بعض (حلزونيات) الفلاسفة. وكان البعض ممن يرى لديَّ شيئاً من هذه الكتب يحذرني أن أقع فريسةً لها.. فأردُ عليه وبثقة في سلامة عقيدتنا - بأني محصَّن - بإذن الله - بما تعلمته وفقهته من دين الله عقيدةً وشريعة. كان هذا في زمن مبكر - نسبياً - من عمري في الدراسة.. وخلال العقدين الأخيرين قرأتُ كتباً ليست كثيرة العدد لكنها في الدائرة (الرمادية) من الفلسفة! ومن جملة ذلك بعض كتب (الدكتورحسن حنفي) أستاذ الفلسفة في جامعة القاهرة؛ حول الإسلام المعاصر..! وكأن الإسلام عنده وعند أمثاله.. يوازي الأنظمة البشرية القابلة للتغيير والتعديل متى دعت حاجة إلى ذلك! ولم أجد في كتب حسن حنفي إلا الخواء الفكري، والضياع العقدي وما لا يملك عليك قوة الاقتناع بآرائه وأفكاره.. بل يقتنع من يملك تأسيساً فكرياً سليماً أن هذا الحنفي ليس أكثر من مشروع مارق عن هدى الإسلام. * * * ولعل بعض قراء صحيفة (اليوم السابع) التي كانت تصدر في باريس واستمر صدورها مدة من الزمن قبل أن تتوقف.. ما زالوا يتذكرون ما اقترفته تلك الصحيفة من إدخال حسن حنفي في حوار ثقافي فكري بينه وبين الدكتور محمد عابد الجابري. حوار يمثل كما زعم أصحابها ثقافة جناحي العروبة (في المشرق؛ والمغرب). ولا يهمني من ذكر ذلك الحوار إلا السقطة الشنيعة التي وقع فيها حسن حنفي.. وبواح الكفر الذي نطق به لسانه وقلمه حينما وصف خليل الرحمن أبا الأنبياء إبراهيم عليه الصلاة والسلام بأنه (يهودي) فقد كرمه الله وطهره أن يكون يهودياً أو نصرانياً.. وهذه الكلمة (الخبيثة) في حق نبي الله إبراهيم مصادمة صريحة لله جل وعلا وتكذيب للقرآن حيث يقول الله في سورة (آل عمران، الآية 67) {مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلاَ نَصْرَانِيًّا وَلَكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} هو - أخرس الله لسانه وقلمه - اعتبره يهودياً لأنه جد اليهود كما هو جدنا نحن العرب. لقد هالني هذا الوصف البذيء لأبي الحنيفية.. فكتبت مقالاً تعقيباً وأرسلته إلى الصحيفة التي نشرت هذه الزندقة. ولعل هذه السقطة القبيحة لحسن حنفي التي جاءت في أخريات (حوار) صحيفة (اليوم السابع) - ربما عجلت بإيقاف الصحيفة المشكوك في القائمين عليها فكراً وتمويلاً..! وفي النهاية جمعت صحيفة (اليوم السابع) الحوار الذي دار بين الرجلين وطبعته في كتاب وصل إليَّ نسخةٌ منه.. وقد وجدتُ، الكلمة السقطة قد نزعت من كلام حنفي، لأن عدداً من القراء الغُيّر على كلام الله قد عاتبوا تلك الصحيفة فصححت خطأ هذا الأستاذ الجامعي الذي جمع بين الإلحاد في دين الله والجهل بكتابه. وها هو حسن حنفي يجدد اليوم نتن فكره المنحرف.. ويتطاول على الذات الإلهية.. بدعوته إلى حذف وإلغاء بعض أسماء الله الحسنى مثل (المهيمن) (الجبار) (المتكبر) لأنها كما يزعم (أسماء تدل على الدكتاتورية الإلهية للذات) تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيرا. وقد نشرت (الرسالة) الأسبوعية ملحق صحيفة المدينة يوم الجمعة الفائتة بعض أقوال علماء الأزهر.. في (وجوب توبة حسن حنفي.. أو إقامة حد الردة عليه). يقول عنه الداعية الإسلامي الشيخ يوسف البدري عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بالقاهرة: (الدكتور حسن حنفي ليس بجديد عليه الكلام الخطير. وهو في كتابه الذي أصدره بعنوان: (من العقيدة إلى الثورة).. قد قال كلاماً في الله لو أن الإسلام مطبق لحوكم بالردة حيث قال (إن الناس تعودت أن تستجدي توفيقها من الله، ولكنني أقول أنا لا أريد أن أستلهم توفيقي منه ولا أريده، وأنا لا أمد يدي ولا أجعلها السفلى). كلام وقح. وقال الشيخ البدري: (ثم تكلم كلاماً عجيباً حول هذا الموضوع مما يجعله خارجاً عن حوزة الإسلام. وقد سبق أن تحدث بهذا الشأن في دار الأوبرا القديمة وقال أكثر من هذا الكلام كفراً وشركاً ووجهنا إليه حديثاً في جريدة (العروبة) المصرية، قلنا له يا أستاذ الفلسفة تبْ قبل أن تموت. ولكنه ما زال يواصل هذا الكلام الفظيع الذي يصدم به ثلث سكان العالم من المسلمين. وقلنا له هل يمكنك أن توجه هذا الكلام لأحد الحكام؟ إنك لو فعلت هذا فلن تبيت في بيتك. فانظر إلى حلم الله تعالى فمع عصيانك يمدك بالصحة والعافية وبكل ما أنت فيه من نعم. وأنت مصرٌّ على ما أنت فيه من ظلم). ويوضح الشيخ يوسف البدري أن هناك فرق (بين حرية التعبير وحرية الكفر فإن لم يستطع أن يوجه لإسرائيل ولا أمريكا بعض هذه الألفاظ في الوقت الذي يعيب فيه رب العباد الذي سيقف أمامه مسؤولاً ذات يوم.. ينظر من حوله فلا يرى إلا عمله السوء). ويؤكد الشيخ البدري: (إن الذين شجعوا حسن حنفي وأتاحوا له الفرصة لنشر هذا الكلام هم أيضاً مسؤولون عن هذا الطعن في الله تعالى والطعن في القرآن والإسلام، إن الخالق سبحانه وتعالى لا بد أن يكون جباراً، منتقماً، عزيزاً، حتى يصد ظلم الظالمين، وينتقم من المتكبرين، ويذل من أراد بالقوم عذاباً وانتقاماً، وإنه الجبار لكنه العادل، إنه المنتقم لكنه الرحيم) (الرسالة). هذه فقرات قصيرة من كلام الشيخ يوسف البدري عن حسن حنفي أحببتُ الإشارة إليها. ليأخذ من لم يطلع على (الرسالة) الناجحة والموفقة التي نقلت كلاماً مطولاً لعلماء من الأزهر - ليأخذ منها (الفائدة) بالحذر من فكر الملاحدة المعاصرين. ومن المؤكد أننا لسنا خائفين على القرآن من هؤلاء، ولا من غيرهم لأن الله تعالى قد تكفل بحفظه {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} ولكن تكوي قلوبنا هذه الجرأة على جلال الله.. وهذا البذاء الذي يوجهه المارقون إلى خالقهم ورازقهم والمنعم عليهم بكل ما يتقلبون فيه من نعمه الظاهرة والباطنة. إن كبائر الذنوب ما دون الشرك والكفر هي تحت مشيئة الله.. إن شاء غفرها لصاحبها وإن شاء عذبه بها ثم مصيره إلى الجنة، أما الانحراف، عقدياً، في أصل من أصول الدين فهو الهلكة الأبدية لمن مات عليها دون أن يتوب إلى الله.