الحكمة، هذا اللون الأدبي الذي يجسد فيه الشاعر تجاربه المختلفة إزاء الكون والحياة والأحياء التي من شأنها الارتقاء بالنفس وتهذيبها من الشوائب، ولعل الظروف التي مر بها الشعراء جعلتهم يكثرون من التأمل في الحياة وفي سلوك الناس وأخلاقهم وأصنافهم، مما جعل تجاربهم تتسع وجعلهم ينثرون كثيراً منها في أشعارهم. ومن الحكم في الشعر النبطي قول ابن سبيل: إلى عزمت فحط للرجل مرقاة من قبل يدري بك خطاة الربادي لا تأخذ الدنيا خراصٍ وهقوات يقطعك عن نقل الصحيل البرادي لك شوفة وحدة وللناس شوفات ولا وادي سيله يفيض بوادي وقول راكان بن حثلين: الإحسان يا بن عبيد يجزى بالإحسان والشر تنطحه الوجيه الشريرة ما قل دل وزبدة الهرج نيشان والهرج يكفي صامله عن كثيره ويقول سعد بن صبيح العجمي: لولاي أخلي كل سيل ومجراه ما صار لي عند النشاما شبوحي إلى شفت خبل يدبل الكبد بحكاه صديت عنه وقلت أنا أبصر بروحي ويقول شالح بن هدلان القحطاني: أنا إلى كثرت لاشاوير ما أشير والله ما آتي واحداً ما دعاني وأنا رفيقه في ليالي المعاسير وإلا الرخا كلٍ يسد بمكاني ويقول سجوان الرويس: يا حسين بلدان الخلايف حريفه واللي مع الاجناب كنّه على نار الطير بالجنحان ما أحلى رفيفه وإلى انكسر حدى الجناحين ما طار يمنى بلا يسرا تراها ضعيفه ورجلٍ بلا ربع على الغبن صبار ويقول مقحم الصقري العنزي: خطو الولد مثل البليهي إلى ثار زودٍ على حمله نقل حمل أليفه وخطو الولد مثل النداوي إلى طار حسّه على صيد الخلاله وصيفه وخطو الولد يا مال قصاف الأعمار لا نافعٍ نفسه ولا منه خيفة والحكمة عند الشعراء قديمة كقول علي بن الجهم: ومن طلب المعروف من غير أهله أطال عناءً أو أطال تندما ومن سامح الأيام يرضي حياته ومن منّ بالمعروف عاد مذمَّما وقول زهير بن أبي سلمى: فإن الحق مقطعه ثلاثٌ يمين أو نفارٌ أو جلاءُ وكان عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- يعجب بهذا البيت ويتعجب من صحة القسمة فيه، ويقول: لو أدركته لوليته القضاء لحسن معرفته ودقة حكمه. نايف بن جمعان العلوي
