يا (دحيم) ديران الرفاقة مريفه واللي مع الأجناب كنه على نار والطير بالجنحان ما احسن رفيفه وليا انكسر (خطو)(1) الجناحين ما طار ويمنى بلا يسرى تراها ضعيفه ورجل بلا ربع على الغبن صبار الأبيات الثلاثة السابقة ذكرها بهذه الرواية الشيخ محمد البليهد في كتابه (صحيح الأخبار) المطبوع لأول مرة عام 1370ه وتتشابه مع رواية ابن جنيدل الذي يرويها عمن عايشوا ابن سجوان في بلدة الشعراء فترة غير قصيرة ونقلوا عنه شخصياً أشعاره وأخباره، فلا تعويل بعد ذلك على غيرها من الروايات. إنها أبيات شهيرة سارت بها الركبان وتمثل بها الأقران ورددها الناس في كل زمان ومكان عدها عبدالله بن خميس من الشوارد النادرة وأدرجها الخالدي ضمن الشواهد الهادرة والحقيقة أنها أبيات متفردة الصياغة جزلة الألفاظ قوية التصوير وهي أبيات صادقة لها دلالة واقعية لأنها ناتجة عن معاناة حقيقية مرت بشاعرها المتميز عبدالله بن سجوان الرويس العتيبي رحمه الله الذي رغم شاعريته المتوهجة إلا أنه لم يعرف له سوى هذه الأبيات التي لم يظهر لها رابع ويبدو أنه لا رابع لها من هنا ونظراً لكثرة الاستفسارات حول شخصية الشاعر ابن سجوان فإننا سنسلط الضوء على شيء من سيرته وشعره من خلال المعلومات التي استطعنا التوصل إليها. أولاً: نسبه وعصره الذي عاش فيه: هو عبدالله بن سجوان من الفردة من ذوي مجري من قبيلة الروسان من برقا من عتيبة عاش في آخر القرن الثالث عشر وأوائل القرن الرابع عشر تقريباً عاصر الأمير محمد العبدالله الرشيد (ت1315ه) والشيخ حسين بن جامع (ت قبل 1316ه) والشاعر عجران شرفي (ت 1318ه) والشاعر غالب بن فتنان والشاعر سالم الشليخي، ولقد أدركت حفيده سعد بن سعد بن دحيم بن عبدالله بن سجوان رحمه الله (ت1420ه) واستفدت منه بعض المعلومات حول شخصية جده، فإذا عملنا بقاعدة علماء النسب أن في القرن ثلاثة أجيال يتأكد لدينا أن وفاة الشاعر كانت في النصف الأول من القرن الرابع عشر وقد تكون بعد عام 1320ه تقريباً خاصة بعد أن اطلعني الشيخ عبدالرحمن بن عبدالله أبوبكر في الدوادمي على وثيقة تفيد بوقوع حادثة ثأر ابن سجوان (الابن) ممن اعتدى على (أخوياه) قبل عام 1318ه فإذا علمنا أن ابن سجوان (الأب) لم يمت إلا طاعناً في السن فيمكننا إضافة بضع سنوات إلى العام 1320ه. ثانياً: حياته وشعره: اشتهر عبدالله بن سجوان الرويس بأبياته الثلاثة السابقة وبالقصة المرتبطة فيها الدالة على الوفاء أولاً والشجاعية ثانياً والأنفة وعزة النفس ثالثاً حتى ضرب به الشاعر إبراهيم بن جعيثن مثلاً في الوفاء حين قال: لا تنسدح واذكر سوايا (ابن سجوان) خلا ابن عمه عند فذة يناحي والقصة أشهر من أن تحكي وليس هذا موضع سردها ولكنها قصة من قصص الوفاء في مسألة (الخوي) التي هي باب من أبواب الحماية عند البادية في الجزيرة العربية ومن يرغب في تفاصيلها عليه مراجعة المصادر وأولها (صحيح الأخبار عما في بلاد نجد من الآثار ج126/2) للشيخ محمد بن بليهد و(خواطر ونوادر تراثية ص39) للشيخ سعد الجنيدل اضافة الى الوثائق المتعلقة بالقضية التي اطلعنا عليها مؤخراً. عاش شاعرنا حياته متنقلاً بين الوشم والدوادمي وجنوب نجد حتى استقر أخيراً في بلدة (الشعراء) وظل فيها حتى وفاته وقد تملك فيها بيتاً، وآخر من سكن هذا البيت من سلالته سعد بن سعد وقمت قبل حوالي خمس سنوات بزيارة لموقع هذا البيت برفقة الأستاذ سعد الماضي فوجدنا البيت الطيني قد هدم بعد انتقاله لملكية آخرين (انظر الصور). ويذكر بعض الرواة أحاديثاً حول علاقته مع أمير حائل محمد العبدالله الرشيد (ت 1315ه) ووفادته عليه وأنه منحه أحد السيوف تقديراً له وإعجاباً بفصاحته وسرعة بديهته. ورغم أنه شاعر مجيد لكن أشعاره ذهبت في صدور الرواة وضاع جل شعره ولم يصلنا إلا النزر اليسير من شعره كشواهد شاردة حاولنا لم شتاتها كأبيات وليس كقصائد وأطول ما وجدنا قصيدة من تسعة أبيات أوردها مؤلف كتاب (من أشعار آل عاصم قحطان) محمد بن عبدالله بن سالم العاصمي قالها ابن سجوان متوجداً إثر ارتحال آل عاصم بعد أن كانوا (قطيناً) على (الشعراء): شدّوا متيّهة الدبش نسل حلاف دن الرحيل ونوّهوا بالمحالي يازين زم ضعونهم تتلي الأسلاف واستجنبوا قبٍ سواة السيالي خلوا هوانا واتبعوا حم الأشعاف حرزٍ لها من ناقضين العمالي يا مارعوا من فاطرٍ نيها أرداف في مربعٍ ماسوم أول وتالي وكم من عقيدٍ هابها عقب ما شاف ومهبلين ضدّهم بالفعالي يتلون شيخٍ للمناعير عساف لا جالها في صحصحٍ اجتوالي ياليتني بالذكر ما صرت عرّاف أيضاً ولا شامجتهم بالمجالي لاجيت مجلسهم تقل دولة أشراف وتلقى شرايعهم شروع الشمالي ياما قنوا من كاعبٍ مالها أوصاف ما حصّلوها مكثرين الريالي وذكر لي الشاعر خلف بن مطلق بن سرحان أن (ابن سجوان) فقد بصره في آخر حياته وأضاف أن ابن سجوان بينما ابنته تقوده أحد الأيام في الصحراء كانت أثناء سيرهما كلما رأت نبات (الطرثوث) نزعته وقدمت ساقه لأبيها براً به مؤكدة حلاوة طعمه وطيب مذاقه فقال ابن سجوان مخاطباً ابنته: بالعون يابنتي حلا الساق فالشاه وألا إن سيقان الطراثيث مرّة كم راس كبش للمربي قطعناه وليا قضبنا أذن الطرف ما نفره وله قصيدة أورد منها السويداء في كتابه عن القهوة ثلاثة أبيات ونقلها عنه ابن عقيل في كتابه الشعر العامي بلهجة أهل نجد يثني فيها على إبراهيم اليحيى وابراهيم القويز كما أفادني الأستاذ عبدالله بن محمد اليحيى وليس كما ذكر أبو عبدالرحمن الذي أخطأ في تسمية المقصودين وهذه الأبيات هي: يا منيف أبذكرلك ليا جيت منحاس عليك باثنين بعالي المسيلة الاسم واحد والمراجل على ساس والكل منهم خير ينعنيله فنجالهم يصعد إلى هامة الراس والوفل بالمشراق مثل النثيلة وزادني الأستاذ عبدالله محمد اليحيى بيتاً رابعاً قرأته قبل أيام عند الجنيدل في كتابه الرابع من معجم التراث: كم قلّطوا من حكرة فوقها راس ماهو بشرك من رجول هزيلة ومن شعر ابن سجوان الرويس هذين البيتين اللذين يتناقلهما الرواة ولهما مناسبة ليس هنا مجال لذكرها: هجيت من ظلم (...) وأهلها ولقيت ظلم ما تغطيه الأقذال الشيخ ما عمره بعزّة نزلها إلا مطاوعة يمشّون الأحوال والحقيقة أنها ثلاثة أبيات فقد سمعت من الشيخ سعد الجنيدل رحمه الله بيتاً من هذين البيتين ولكني لم أكتبه فأنسيته. كما أورد ابن جنيدل في الكتاب الثالث من معجم التراث هذين البيتين منسوبة للشاعر عبدالله بن سجوان: يامن خطاطيره كما ورد خبرا ولا ينعرف ورّادها وبين ما واه له دكة تسرج ولا هيب غبرا ولا غبّرت لين أنه أقفت مطاياه والحقيقة أن الشيخ ابن جنيدل رحمه الله كان يحفظ الكثير من أشعار ابن سجوان وغيره وكان لديه العديد من مخطوطات الشعر الشعبي الخاصة به والتي لا أستبعد وجود عدد من قصائد ابن سجوان وأبياته ضمنها خاصة إذا علمنا أنه عايش في بلدة الشعراء من عايشوا ابن سجوان ونقلوا عنه أخباره وأشعاره. ومن قصائد ابن سجوان هذه المرثية في صديقه إبراهيم بن عبدالله اليحيى كما زودني بها مشكوراً الأستاذ عبدالله محمد اليحيى: لا والله إلا مات شيخ القريات صارت علينا مثل يوم الكسيره لا واهنّيك؛ يالقبور المقيمات بشيخ نزل معكم وخلا قصيره أنا لا رافقت لي خيّر مات (جل عنك) ياحظ تردّى مريره ياسيف لا تبكي على خير مات قبلك تمننه عيون كثيره هيف الغنم ياسيف ستر الخوندات ذكره تعدى للحسا والجزيره صينية فيها الفناجيل دارات يشدى حمام واقع من مطيره من عاد يفرح بالركايب الى جات ومن عاد يذريها بليلة مطيره وأخيراً.. أتمنى أن أكون بهذه النبذة قد أجليت غامضاً وأضفت جديداً حول شخصية هذا الشاعر الذي لم يحظ بأي اهتمام شاكراً جميع الاخوة الذين ساعدوني في إتمام هذا الموضوع بمعلومة أو قصيدة أو أبيات أو إجابة على تساؤل ولعل نشر هذا الموضوع يكون سبباً في إستيفاء المعلومات حول هذا الشاعر رحمه الله. (1) عند البليهد (بعض) وعند الجنيدل (خطو) أما عند لويحان (حدا) واعتمدنا ما ذكره ابن جنيدل لأنه ينقل عمن يروي عن ابن سجوان شخصياً.