الإنجاز الأكثر أهمية إذا لم يكن الوحيد لهذه الحرب هو موافقة الحكومة اللبنانية على أن تبسط سيطرتها وسيادتها على الجنوب الذي كان حتى الآن خاضعا للسيطرة الوحيدة لحزب الله مع أن المواجهة انتهت دون حسم عسكري، إلا أن تواجد 15 ألف جندي لبناني إلى جانب عدد مواز من قوات الاممالمتحدة (اليونيفيل) بصلاحيات محسنة، يمكن أن يسلب هذه السيطرة الوحيدة لحسن نصر الله في جنوبلبنان، ولكن يتضح أن زعماء اوروبا خرجوا وهم ملتزمون فقط بتلك الشروط التي كانوا قد عرضوها في مؤتمر روما، من دون أكثر البنود التي اشتمل عليها القرار الدولي 1701، والذي تضمن شروطا لوقف إطلاق النار. القوة الفرنسية الرمزية التي هبطت في نهاية الاسبوع الماضي في لبنان توضح مدى التردد الذي أبداه الرئيس الفرنسي جاك شيراك، وفي أعقابه جاءت خطوات جيرانه الاوروبيين، وأن الاهتمام بمصير لبنان والهدوء على الحدود الجنوبية تبخرت عندما جاء الوقت المناسب لصرف ورقة العملة في إرسال قوة دعم مهمة لقوات اليونيفيل ولتجنيد مصادر تمويل لإعادة إعمار لبنان. واحدة بعد الأخرى فإن الدول الاوروبية تبحث وتجد مبررات للتهرب من الالتزامات، وتترك العملية لتتولاها دول مثل ماليزيا، من التي لا تقيم علاقات أصلا مع دولة إسرائيل. القلق الذي أُثير حول مصير القرار 1701 لمجلس الأمن ولاستقرار لبنان تم التعبير عنه من خلال النداء الذي وجهه نائب السكرتير العام للامم المتحدة، مارك مالوخ براون، للدول الاوروبية حتى تُسهم بنصيبها من الدفعة الاولى من القوة التي سترسل للحفاظ على وقف إطلاق النار واستقرار السلام في لبنان. وقد أعرب براون عن خيبة أمله من حجم الاسهام الفرنسي القليل جدا في تلك القوة، وأوضح أن الايام العشرة القادمة ستكون حاسمة لمصير التسوية في لبنان. إن الافتقاد لقوة دولية ملتزمة إلى جانب الجيش اللبناني، يُقلص الامكانيات والاحتمالات اللازمة لإفشال عمليات تهريب الاسلحة إلى لبنان، وبالتالي يُجبر إسرائيل على أن تُبقي على الحصار الذي تفرضه على لبنان من أجل إفشال عمليات اعادة تهريب الاسلحة لحزب الله، وخصوصا الصواريخ بعيدة المدى، حيث إن هذا ما حذر منه مسؤول إسرائيلي كبير يوم أمس في القدس، حيث أضاف بأن إسرائيل لن تجد مناصا من مهاجمة قوافل تدخل إلى لبنان اذا كانت لديها شكوك بأنها تهرب الاسلحة، وأن عملية كهذه سوف تؤدي إلى إعادة إطلاق صواريخ الكاتيوشا على المستوطنات الإسرائيلية في الشمال وبالتالي تجديد الحرب. توجد للقوة المشتركة ما بين الجيش اللبناني وقوات الاممالمتحدة وظيفة بالغة الأهمية من اجل كبح جماح جهود طهران لإملاء شروطها ووجهها لإظهار لبنان بوجه قريب لايران. ولكن من غير مساعدات مدنية كبيرة لإعادة إعمار لبنان، فان القوة العسكرية الجديدة لن تصمد أمام هذا التوجه لمدة طويلة، والشُكر الذي تعرب عنه الجماهير التي لم تتمكن من أن تأخذ بقوتها الذاتية، فإن ايران بدأت في توزيع شيكات مالية جيدة للمواطنين من الذين تضرروا في تلك الحرب التي فرضتها صديقة الاوروبيين، إسرائيل عليها عدد من الدول العربية، وعلى رأسها السعودية، تبرعت للحكومة اللبنانية بمبالغ كبيرة، ولكن، حتى في هذا المجال، وكغيره من المجالات الاخرى الأمنية يوجد فرق كبير ما بين الوعود وبين الوفاء بالالتزامات التي تعهد بها المجتمع الدولي التي نثرها اثناء الحرب وما تم تنفيذه في أعقابها. إن تقوية السلطة المركزية في لبنان واخراجه من دائرة المواجهة مع إسرائيل، تعتبر مصلحة إسرائيلية كبيرة، فإلى جانب ضغط الدول الاوروبية التي يُطلب منها الارتفاع فوق المصالح السياسية الداخلية الضيقة، وضرورة الاسهام بكرم للقوة الدولية، فإن على إسرائيل ايضا أن تشجع المجتمع الدولي لكيلا يُعيد وضع لبنان من جديد في أيدي أصدقاء ايران. والمتطرفون الاسلاميون وحدهم هم الذين سيستفيدون من هذا التعويق في إعادة بناء القوة الدولية، ومن إعادة إعمار لبنان من جديد.