لقد ألمحنا سابقاً إلى بعض مآثر علماء المسلمين السابقين وكيف أنهم صنعوا لأجيالهم ولقرون عديدة حضارة متينة ودون حاجة إلى أي أمة من الأمم في ذلك الوقت بعكس ما نلمسه الآن: نأكل ما لا نزرع، ونركب ما لا نصنع. وتعلموا صناعة تقنيات عظيمة لتغذية وحماية المنطقة التي امتدت بين إسبانيا إلى حدود الصين، حيث عملوا في مجموعات مبدعة على استغلال الأدوات المتوافرة من أجل صناعة الكثير من الأشياء التي أذهلت العلماء إلى يومنا هذا، وهناك مقالات رائعة لكتاب غربيين ومنصفين عن العلماء المسلمين في مجلات وصحف أوروبية وكيف أن هؤلاء العلماء العباقرة أثروا باختراعات واكتشافات وتجارب عظيمة حياة غالبية البشر حيث إنهم لا يمكن أن يستغنوا عنها حتى الآن، لهذا فالإبداع في عرض هذا التراث الثمين هو إيجاد وسائل وعروض متطورة من قبل علماء مسلمين أوغربيين منصفين تيسر التعرف على ما توافر من مآثر العلماء المسلمين في مختلف بقاع العالم من قبل أجيالنا ونغرس روح التحدي ومحاربة الإحباط النفسي الذي تعيشه. ولا يراد من إحياء التراث القديم الحصول وجني الأموال كما تفعل بعض الشعوب والحكومات حين يقتاتون من التراث القديم بكل جدارة واقتدار!، ولكن مسح الصور المظلمة والهزيلة والتشويه المتعمد عن الإنسان العربي والمسلم لدى كثير من أبناء الدول الغربية. وقبل أن نبحر ونتعمق في هذه السلسلة من المقالات، لفت نظري معرض متنقل تحت عنوان: 1001 اختراع (اكتشف التراث الإسلامي في عالمنا) ويعرض بجميع المدن البريطانية، إذ تم استنباته بمهارة عالية وبمنهج علمي رصين ومتكامل في مدينة مانشستر البريطانية، ومن الأهداف الرئيسية لإنشائه رفع مستوى الوعي عن العلوم والتقنيات الإسلامية العظيمة التي ابتكرها العلماء العظام المسلمون، وقام على تأسيسه علماء معاصرون وفي مقدمتهم العالم المسلم الشهير الأستاذ الدكتور سليم الحسني أستاذ الهندسة الميكانيكية في جامعة مانشستر البريطانية، وقبل المضي قدما في تعريف المعرض المتنقل الذي تديره مؤسسة العلوم والتكنولوجيا والحضارة في مدينة مانشستر يهمنا التعريف بذلك العالم المسلم كنموذج معاصر للعلماء العباقرة. البروفيسور سليم الحسني حاصل على شهادة البكالوريوس درجة الشرف الأولى في الهندسة الميكانيكية من جامعة مانشستر في إنجلترا عام 1965، ومن ثم على شهادتي الماجستير (1967) والدكتوراه في الهندسة الكهروميكانيكية عام 1969، حيث عمل بعدها محاضرا بعدد من الجامعات البريطانية والشرق الأوسط، وقد نشر أكثر من 180 بحثا ومقالا علميا محكما في كتب ومجلات علمية دولية، وأشرف على 40 رسالة دكتوراه و48 رسالة ماجستير إضافة إلى إشرافه على العديد من الباحثين من مختلف بلدان العالم، يشغل منذ عام 1991 منصب أستاذ كرسي (بروفيسور) لهندسة الطاقة السريعة في جامعة مانشستر ? معهد العلوم والتكنولوجيا (UMIST) - إنجلترا، وقد تم اختياره مؤخرا ممثلا خاصا لرئيس الجامعة لشؤون الشرق الأوسط، ونظرا إلى جهوده ونشاطاته في مجال البحث العلمي والاستشارات الأكاديمية، فقد جلب لجامعته ملايين الجنيهات الإسترلينية من الحكومة وقطاع الصناعة، كما شغل منصب المدير الفني لشركة REVERSE ENGINEERING للاستشارات الهندسية والصناعية، وتم اختياره خبيرا دوليا في المحاكم الدولية لشؤون الحوادث في المنشآت والمصانع، بالإضافة إلى كونه مستشارا لجامعات بريطانية وعالمية عدة. منح جائزة جيمس كلايتن لأحسن بحث منشور في اتحاد مهندسي الميكانيكا في بريطانيا عام 1980، كما منح زمالة اتحاد مهندسي الطاقة (الذي كان يعرف سابقا باتحاد مهندسي النفط Institute of Petroleum)، وهو عضو في اتحاد مديري الأعمال في بريطانيا Institute of Directors وعضو لجنة العلوم والتكنولوجيا في Philosophical and Literary Society. عمل سنوات عديدة في المشاريع المتعلقة بتاريخ العلوم والتكنولوجيا، ويشغل حاليا منصب الرئيس الشرفي لمؤسسة العلوم والتكنولوجيا والحضارة FSTC في المملكة المتحدة، التي تركز على استخدام تكنولوجيا المعلومات والتقنيات الهندسية والرسومات الحديثة لإعادة الحياة إلى المكائن والأدوات التي صممت وبنيت في الفترة من 700 حتى 1700 ميلادية على وجه الخصوص، وأيضا مؤسس الموقع الإلكتروني الشهير الذي يضم مخزن معلومات واسعا عن حضارة المسلمين: www.muslimheritage. com، والذي من أهدافه إنشاء تجمعات تعليمية مهتمة بهذا الشأن عبر الإنترنت. وقد كان شارك في تنظيم أول مؤتمر إسلامي متخصص في العلوم والتكنولوجيا، وذلك في مدينة الرياض عام 1976 تحت رعاية كريمة من المغفور له إن شاء الله الملك فيصل بن عبدالعزيز آل سعود الذي حضره مجموعة كبيرة من علماء المسلمين من جميع أنحاء العالم، وهذا المؤتمر بمثابة أحجار أساسية من أجل التقدم الإستراتيجي للعالم الإسلامي، وبحسب علم الكاتب لم يتكرر هذا المؤتمر مرة أخرى حتى يومنا هذا، ويمكن الإفادة من هذه الخطوة الجريئة للملك فيصل رحمه الله في تقرير الخطوات التنموية التي أعلن عنها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله - حفظه الله - في تأسيس جامعة تقنية عالمية تستهدف جمع أكبر عدد من العلماء العرب والمسلمين. ساهم الأستاذ الدكتور سليم الحسني محاضرا رئيسيا (Keynote speaker) في العديد من المؤتمرات الدولية في لندن ومدريد وآخن وباريس واسطنبول والقاهرة وحلب وعمان والرياض وجيلان (إيران) وجاكرتا وكوالالامبور ومؤخرا في البرلمان الأوروبي في بروكسل. تم اختياره حديثا من ضمن قائمة طويلة للحصول على جائزة أحسن عالم ومهندس ومدير أعمال قام بخدمة المجتمع، وذلك من خلال استطلاع نظمته الحكومة البريطانية بالتعاون مع إحدى الصحف المحلية، وقد قدمت له الجائزة في حفل أقيم في لندن بحضور رئيس الوزراء البريطاني توني بلير عام 2002م، وهذه السيرة الذاتية العطرة المليئة بالتجارب الناجحة جعلت من المعرض رمزاً متميزاً من حيث الجانب الثقافي والنفسي والتقني. ونكمل تتبع المعرض الفريد ومنتجاته وأهدافه والشرائح المستهدفة في مقال قادم. [email protected]