في يوم من الأيام خرجت من المنزل ركبت سيارتي وضعت كوب الشاي في الحافظة ربطت حزام الأمان توكلت على الله متجهاً إلى وسط المدينة لقضاء بعض الضروريات ومراجعة بعض الجهات الحكومية، فأنا في إجازة سنوية الجو لطيف والسماء غائمة كانت ليلة البارحة ممطرة أمطاراً موسمية بدأت من بعد المغرب حتى صلاة الفجر - جعلها الله أمطار خير وبركة وعم بنفعها أرجاء البلاد - الغريب في الأمر إنه لا يوجد أي أثر لتلك الأمطار على غير العادة تساءلت ما السبب؟ لم أتوصل إلى إجابة، لم أعر الأمر اهتماماً! رشفت قليلاً من الشاي استوقفتني، إشارة المرور ما شاء الله انسياب في حركة المرور احترام كامل للإشارة الضوئية على غير العادة وقوف السيارات على حد الخطوط البيضاء لا أثر لما يسمى بعيون القطط المزعجة الجميع ملتزمون بالسرعة القانونية، لا تجاوزات مرورية سير على المسارات المخصصة والمحددة بالخطوط البيضاء السيارات الواقفة بالمواقف أشكال هندسية متناسقة مواقف خاصة على جانبي الطريق لسيارات الأجرة، كما هو معمول به في بعض البلاد الشرقية والغربية يندر أن تشاهد عمال النظافة بالشوارع لا حاجة لهم لأن الشوارع والميادين نظيفة والسبب نظافة مرتاديها وأصحاب السيارات قد وضعوا أكياساً للنفايات داخل سياراتهم. وصلت إلى أحد المجمعات التجارية الكبيرة أوقفت سيارتي بالمواقف المخصصة نزلت بهدوء وطمأنينة انفتح الباب تلقائياً دخلت ما شاء الله المجمع مزدحم كعادته ولكن الغريب احترام الناس بعضهم لبعض، لا يوجد متسكعون ولا متسكعات، كلٌّ يقضي حاجته باطمئنان، دخلت أحد المحلات قابلني ابن البلد بابتسامته المعهودة نعم ما هي الخدمة التي يمكن أن أقدمها لك؟ قلت له أريد كذا وكذا قال تفضل. الملاحظ أن جميع الأصناف من النوع الجيد ومسعرة من قبل الجهة المختصة كما هو في الصيدليات، أخذت حاجياتي ودعني بابتسامة غمرتني سعادة عظيمة حمدت الله على هذه النعمة توجهت إلى أحد البنوك وجدت موقفاً لسيارتي بالمواقف المخصصة لمراجعي البنك، توجهت إلى الدخل أخذت رقماً جلست على أريكة مريحة روائح عطرة ابتسامات من الجميع، جاء دوري ذهبت إلى الشباك استقبلني الموظف المختص كما يستقبل عملاء التميز والبطاقات الذهبية لم احتج للركوع والانحناءة المعهودة وحادثته وأنا واقف من خلال فتحات صغيرة بالزجاج إنجاز لم يسبق له مثيل وخدمة متميزة بكل العملات خرجت مودعاً بمثل ما استقبلت به.. حان وقت الصلاة أوقفت سيارتي بجانب المسجد ذهبت لدورة المياه لأتوضأ الأمر غريب جداً المواضئ نظيفة جداً والروائح عطرة كأنك في غرفة عمليات، المياه عذبة على غير العادة وضعت الأحذية في الصندوق المخصص لا توجد أحذية متناثرة أمام الباب دخلت المسجد ما شاء الله تبريد طيب وهدوء وطمأنينة جاء الإمام في الوقت المناسب والمحدد من قبل الجهات الرسمية أقيمت الصلاة لا أثر للهواتف النقالة كأنها لم تصنع بعد، خرجت من المسجد توجهت للمشوار الثالث وللأسف لا أعرف الموقع بالضبط استعنت بالله ثم بخارطة المدينة واللوحات الإرشادية المنصوبة على ناصية كل شارع (رن جرس الهاتف النقال رقم مميز أظن أني أعرف هذا الرقم ألو.. نعم السلام عليكم.. وعليكم السلام هل أنت فلان الفلاني؟ قلت نعم قال معك مستشفى.. قلت حياكم الله.. قال لديك موعد في اليوم.. الساعة.. قلت نعم وما الأمر قال باسم إدارة المستشفى ومنسوبيها نحييك ونؤكد لك أن الموعد في الأوقات المحددة ونتمنى لك ولأسرتك الشفاء العاجل. قلت له لحظة من فضلك هل أنت متأكد أن سبب الاتصال هو تأكيد الموعد؟ قال نعم وأهلاً وسهلاً بك). أنهيت المكالمة معه وقلت يا سبحان الله ما الأمر؟!.. واصلت مشواري ومررت على المنطقة الصناعية لاحظت أن ورش السيارات بعضها مغلق تساءلت قالوا مهنة السمكرة كاسدة بسبب قلة الحوادث قلت الحمد لله اللهم زدها كساداً. وصلت الموقع المراد بكل يسر وسهولة أوقفت السيارة حملت الشنطة وكان بداخلها جميع الأوراق الثبوتية لي ولأفراد الأسرة ومن ضمنها شهادة وفاة الوالد والوالدة رحمهما الله شهادات المراحل الدراسية شهادات الميلاد صور لا تعد ولا تحصى للصور الشمسية بجميع المقاسات فواتير الهاتف الثابت والنقال صك البيت وفواتير الكهرباء والماء البطاقات الائتمانية.. إلخ قلت في نفسي يمكن يحتاجونها!! دخلت المبنى اندهشت، مبنى ضخم.. ما شاء الله روائح طيبة وهدوء تام ما هذا أكيد أنا غلطان قد يكون هذا المبنى لفندق من الفنادق الفخمة ولكن اللوحة الخارجية تؤكد أنه هو المطلوب. هممت بالخروج فجاءني صوت هادئ من الداخل يقول لا أنت لست غلطان هذا هو المكان الذي تريد التفت فإذا رجل بكامل أناقته وابتسامة عريضة يصافحني ويرحب بي ويقول أهلاً وسهلاً سلمته الشنطة وقلت له أريد؟ قال لا تكمل نحن نعرف ماذا تريد. تريد تجديد وتحديث واستخراج وفحص ونقل وتسديد.. إلخ قلت له كيف عرفت؟ قال نحن نعرف ماذا تريد أعطني السجل المدني فقط أعاد لي الشنطة وقال ستجد كل ما طلبته بعد ساعة في صندوق البريد قلت له هل هذا معقول؟ قال نعم والمرة القادمة الأمر لا يتطلب حضورك المطلوب هو أن تدخل على موقعنا في النت وتضع الإبهام في مكان معيّن ومن ثم يعرض عليك جميع الخدمات وتختار ما تريد منها. خرجت وقلت الحمد لله على هذه النعمة وبعدها رن جرس المنبه ليوقظني لصلاة الفجر منهياً بذلك أجمل حلم في حياتي.