لم تنته حرب المناهج الدراسية التي تشنها الأجندة الأمريكية المتطرفة تجاه سياسة وخصوصية هذه البلاد، ولن تنتهي أيضاً ما دام الصراع العسكري والسياسي موجوداً والذي تغذيه الأيدلوجيات التي تسعى إلى طمس الهوية وخلخلة الخصوصية، والسنة الكونية أيضاً تبين أن الضغط الفكري الذي تمارسه الأجندة الأمريكية لن يقف عند سقف معين مهما قدم الخصم من تنازلات، وما قصة بيت الحرية الأمريكي في حربه على المناهج الدراسية إلا نموذج بسيط مما يحاول أو يفرض على البلاد لتمييع خصوصيتها. ليس الحديث هنا عن الدفاع عن المناهج الدراسية من عدمها، وإن كان ذلك أمراً مهماً، وليس الحديث هنا عن مكيال الغرب المعروف في التعاطي مع القضايا العربية والإسلامية، ولعل الحديث هنا يكون عن الجانب المسكوت عنه في مناهج بعض الدول والتي تصنف في مصاف الدول الديمقراطية. إن مناهج التعليم في إسرائيل - مع قلة الدراسات العربية عنها للأسف - تظل نموذجاً صارخاً في نشر الكراهية والتمييز العنصري ضد العرب والمسلمين على وجه الخصوص - طبعاً هذه غير الجانب الإعلامي - فالمتابع للمناهج الإسرائيلية في مستوياتها يكتشف خطورة الوظيفة التربوية التي تمارس أسلوب الشحن العدائي ضد العرب، وسأقتصر هنا على بعض المقررات الدراسية للمرحلة الابتدائية مما يدرس في إسرائيل والمستهدف فيها الطفل طبعاً. ففي منهج التاريخ للصف الخامس الابتدائي تأليف: (ب. أحياه وم. هرفاز) مثال صارخ للمغالطات التاريخية منها: محاولة إظهار غزو العبرانيين القدماء لفلسطين أيام إبراهيم بأنه تنفيذ لأوامر إلهية والتركيز على حق اليهود باحتلال الأرض واغتصابها من الشعوب التي كانت تقطنها من الفلسطينيين وغيرهم. وفي مقرر الصف السابع الابتدائي تأليف: (ب. أحياه وم. هرفاز) يتكلم عن تاريخ اليهود في ظهور الإسلام إلى استقلال الولاياتالمتحدة وفيه: وصف الإسلام بأنه دين المحاربين ووصف الرسول صلى الله عليه وسلم بالمقاتل والآمر أتباعه بنشر الدين بقوة السلاح إلى جانب استعمال الرسول محمد صلى الله عليه وسلم المكائد والمؤامرات في الوصول إلى مبتغاه، وفي الكتاب صورة مفتراه للنبي صلى الله عليه وسلم وهو يشم الورد ويقبض على السيف. أما في مادة الجغرافيا تأليف: (أخرام آرتي، واليشع أفرات) ففي هذا الكتاب ومجمل كتب الجغرافيا المقررة على التلاميذ اليهود لا تذكر حدود دولة إسرائيل، ويبرر هذا الكتاب عدم تعيين حدود دولة إسرائيل بأن هذه الحدود عرضة للتغيير نتيجة للظروف السياسية، وأن الحدود القائمة لا تمثل حدود دولة إسرائيل القديمة التي كانت تمتد من النيل إلى الفرات. أما في المرحلة الثانوية فقد جاء في منهج علم التربية المدنية لطلبة المدارس الثانوية تأليف: (شالوم أبخر) الكثير من نشر الكراهية ضد العرب في نفوس الطلاب فمن ذلك: - العرب يعدون لحرب إبادة ضد إسرائيل بحيث يقذفون بالسكان اليهود في البحر. - حكام العرب يريدون استمرار الحقد على إسرائيل. - أغراض العرب الظاهرة والمعلن عنا ليس فقط احتلال المنطقة الإسرائيلية؛ بل أيضاً الإبادة الشاملة للاستيطان اليهودي، ولذلك فإن القتل الجماعي (المحتمل) الذي قد تتعرض له إسرائيل لا مثيل له في أي مكان في العالم. - يصور الكتاب العرب بالمتخلفين اجتماعياً وبأنهم قبائل متناحرة تنتشر بينها عادات لا تمت إلى الحضارة بصلة. وفي عموم الكتاب شحن لأذهان التلاميذ بروح العداء، وأن عليهم أن يضربوا بشدة كلما أتيحت لهم الفرصة. وقد قام البروفيسور ادير كوهين أستاذ أدب الأطفال بجامعة تل أبيب، والتي قام خلالها بدراسة محتوى حوالي ألف كتاب من كتب تثقيف الأطفال باللغة العبرية تكفي في الدلالة على حالة التعمد لنشر الكراهية ضد العرب من جانب مؤلفي كتب الأطفال الإسرائيليين، فقد أثبت البروفيسور ادير كوهين بحثه المنشور بالعبرية تحت عنوان: (وجه قبيح في المرأة) أن تحليله لمضامين ألف كتاب عبري قد أثبتت أن هناك صورة مخفية للإنسان العربي تعرضها كتب الأطفال الإسرائيلية، وأن هذه الصورة تظهر العربي في شكل قاتل أو مختطف للأطفال، وأن هذه الصورة مستقرة لدى 75% من أطفال المدارس الابتدائية في إسرائيل. إن المتابع أكثر تفصيلاً في المناهج الدراسية الإسرائيلية يكتشف خطورة أكثر عن الوظيفية التي تمارسها المناهج الإسرائيلية في أسلوبها في الشحن العدائي ضد العرب ونشر الكراهية للغير. إن جانب المناهج الإسرائيلية يبقى في حدود المسكوت عنه في جانب الخطاب الإعلامي الغربي رغم خطورة ما يمارسه من تشويه وتزوير وعنصرية تجاه الآخر، بينما تبقى المناهج العربية السعودية على وجه الخصوص تحت مشرحة النقد الغربي، وما ذلك إلى امتداد لما يسمى بالوصاية الغربية على حساب الخصوصية وتمييع الذات، بينما تبقى الذات الإسرائيلية مُمنّعة من الاختراق.