** لا أجد سبباً وجيهاً فيما أبداه الزميل الأستاذ قينان الغامدي من ندم على دخوله حواراً مثرياً مع فضيلة الشيخ سعد البريك حول الدولة المدنية والدينية..! كان هذا الندم وهذا الإحساس بعدم الجدوى مقبولاً قبل سنوات حيث طغيان الرأي الواحد والفتوى الواحدة والفقيه الواحد والمدرسة الواحدة!. أما اليوم وقد عرف الناس وأدركوا تعددية الآراء وقدروا الاجتهاد وفق ما قاله الشيخ عبدالمحسن العبيكان.. فالزمن اليوم أتاح ظهور الآراء التي كانت سابقاً محجوبة إزاء رأي واحد هو المطروح كرأي أوحد وراجح. وكان ذلك في مجلة اليمامة ورداً على من سأله عن ظهور آرائه المختلفة في هذا الوقت بالتحديد!. ** ما الذي خسرناه في حوار انتهى باعتراف الشيخ د. سعد البريك بأنه يتفق مع قينان الغامدي في الأساسيات المتعلقة بالدين والدولة!. هذا الحوار وهذا الاختلاف وهذا الجدال بما آل إليه دلل على أن المكاشفة والحوار في الضوء والشمس تهذب كثيراً من الأفكار وتشذب كثيراً من الخروجات.. وتجعل المرء في مواجهة صادقة مع نفسه ومجتمعه ودينه ووطنه. ** حين تتابع حواراً وجدلاً فكرياً يلزمنا أن ننأى عن انتظار النهاية والتفكير فيمن هو المنتصر ومن هو الخاسر في الحوار والنقاش والجدال ورشة عمل مهمة يتتلمذ فيها المجتمع على الانصات والتأمل والتفكير والمقارنة والموازنة وحتى لو ظهر زعيق على الجوانب يشبه (زعيق) مشاهدي كرة حديثي عهد بثقافة الروح الرياضية.. إلا أن هذا لا يمنع ان ذلك الحوار كان حواراً مهماً جداً على مستوى ثقافة المجتمع وحراكها الإصلاحي وهو في كلماته وسطوره يومئ ويكشف عن قراءات مستقبلية مهمة في تفكير تيارات المجتمع.. يمكن أن يستند إليها ذوو الرؤى الإصلاحية سواء في المناهج أو التعليم أو الإعلام أو الأمن الفكري والعسكري!. ** لست مع قينان في ندمه.. بل لقد كان حواره ونقاشه هو حدثاً مهماً وشيقاً لمثقف وكاتب يتمثل تفكير شرائح واسعة من المجتمع لم يطرح نفسه كمصلح ولا سياسي ولا داعية بل هو إنسان عصامي.. تشكل من بين صفوف الناس لم يرتدِ عباءة ليست وفق مقاساته الخاصة لكنها تناسب مقاسات الآخرين.. بل جاء إلى ساحة الحوار بوصفه كاتباً ومواطناً طرح نفسه بكل صدقٍ وحاور بكل شفافية.. قد يعتوره ما يعتور البشر.. لكن حواره ذلك كشف بما لا يدع مجالاً للشك عن إيمان قينان ووطنيته وصدقه مع المستقبل.. وطرح د. البريك رؤيته بكل إخلاص وبكل وضوح وبكل قوة وجسارة وظهرت الصورة جلية وواضحة سواء بين السطور أو بين الأفكار.. وكان حواره مهماً في التعبير عن وجهة نظر تمثل أيقونة أو علامة عند اتجاه محدد!. * كنا بحاجة لمعرفة كيف يفكر المجتمع بشتى اتجاهاته.. وهل من ضيرٍ في فتح الملفات وإخراج محتوياتها والحديث بكل حق وكل جسارة عن كل فكرة يتبناها المرء ويدافع عنها! وهل في الحوار إلا مجلبة لخير كثيرٍ طالما أنه يتم في الضوء وتحت أشعة الشمس.. قد يكون رمضاء وضربة شمس لكنها آثار تزول!! ** لا أظن الشيخ سعد البريك ندم على دخوله في الحوار مع أنه اعترف في النهاية إلى اتفاقه مع فكرة قينان الأساسية.. وقد كشف عن رؤى مهمة ومفصلية يمكن أن تؤسس لحوارات أخرى ومهمة في الحراك الوطني!. فلم يندم قينان وقد كشف لنا بحواره أن بمقدورنا أن نطرح أفكارنا بصوتٍ عالٍ وأن نقول رأينا وأن نتجادل حول فكرة كانت من (التابو) الذي لا يُطرح..! ** لا منتصر ولا مهزوم في ثقافة الحوار.. ومزيد من مثل هذه الحوارات ستكشف المزيد من نقاط الاختلاف المفصلية المخبأة تحت طيات الصمت السابق.. وستكشف عن المزيد من نقاط الالتقاء التي لابد أن نطورها ونثريها ونمد من خلالها جسور الالتقاء بين مختلف الاتجاهات كي تنطوي بصدقٍ وإخلاصٍ تحت مظلة الوطن وقيادته حفظها الله وقواها.