بشكل هاد عبر الرئيس اليمني «هادي» في لقاء القمة العربية الأخير في شرم الشيخ عن شكره لعاصفة الحزم، شاكرا المملكة والخليج على الدعم والمساندة، مرسلا للحوثي ولكل همجي وعنجهي رسالة مفادها "أن الأوطان لا تبنى بالزعيق". ولعل هذه الحروف الحازمة والمتزنة من التصريحات التي قدمها هادي، جاءت على شكل من الإشارات السياسية المقبلة، والمنتظرة هي ضربة موجعة للحوثي ومن عاونه في الداخل والخارج، فأصحاب الزعيق والعنجهيون المعروفون بفرض أسلوب شخصي على الغير أينما كان نوع وشكل هذا الأسلوب، هم في الغالب يحملون التصرف العشوائي المليء بنفس الضجيج، والبعيد عن روح الحكمة والاتزان، ذلك التصرف الممزوج غالبا بالفوضى المنظمة ربما، أو المتناسي للغة الهدوء والحوار والسكينة. والناظر من زوايا متعددة لبعض السلوكيات والتصرفات المتسمة بالزعيق والتي تصرخ منها لغة الأنا والكبر، تجدها كما هي صارخة في أروقة السياسة وخاصة الإيرانية حاليا، ومن تمده وتدعمه، هي لغة كثيرا ما عبر بها علي عبدالله صالح وأعوانه من الحوثيين. وفي المقابل لم تنفك منه أحوال وسلوك بعض رجال الفكر والثقافة، ولا أنسى اللقاء والحوار الذي جمعني قبل سنوات بالدكتور مصطفى محمود -رحمه الله- بالقاهرة، وحواري معه حول كتاب الأمير للفيلسوف ميكافيلي وفلسفة التسلط عنده فقال: "التسلط والعنجهية سلوك فطري في بعض أفراد مجتمعنا العربي، تفرضه البيئة قبل الثقافة، وربما شبح الزعامة أو الرجولة والهيلمانات المصطنعة". والمتأمل في القرآن الكريم يجد أنه بسط هذه الظاهرة وحذر من أسلوب وسلوكيات الزعيق والعنجهية، فقال الحق سبحانه: «وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا». كما أنها روح فطرية ملازمة لبعض الآباء الذين لا يفقه من أبجديات التربية والحوار مع أبنائه إلا رفع العصا والصراخ، فالعنجهية الأبوية المتعالية ربما تمارس كذلك خارج البيت ليراها الناس لفهمهم أنه حازم ومرب قوي، ولعل لغة الزعيق كصورة لمجتمع يحاول التحضر تحاصرنا في بعض سلوك الموظفين في دوائرنا الحكومية، فأقسام الشرطة، والمرور، والجوازات مثال يكشف مثل هذه المشاهد بوضوح، وما من مظهر تبرز فيه هذه اللغة بكل فنونها كجرائم القتل والثأر والتشفي من الغير، والسباب واللعان ومشاهد الطلاق والعراك الزوجي، وربما كان الحدث الأكبر والمؤلم لثقافة الزعيق تراه في بعض وسائل الإعلام والترويج للشائعات والإرهاب والتضخيم، وفي المقابل تجده في تهميش الأفكار المعروضة على طاولة الرأي أو الحوار أو النقد من أي شخص، فطرق التصنيف أو التحيز أو التمذهب أو التعصب علامة أن بعض رواد عالم العنجهية مصادمون للحرية الثقافية والمعرفية التي تحتاج منّا أولا إلى إحسان الظن دائما فيما نراه أو نسمعه. إذ الزعيق بصورته الكبرى بكل صورها أن تصادر الحريات، ويروع الآمنون، ويقتل الأبرياء، وتسلب الكرامة، وما زالت هي هوية وسمة الصهيونية العالمية التي تحاول بشتى الوسائل تغذية الصرعات والفوضى في دول الشرق - كما يقال - . لذا سيظل أسلوب الزعيق أداة ونواة لتصدير ثقافات العنف والبطش، فالعالم لن ينسى قضية الحوثيين في اليمن - والتي قربت نهايتها بهروب قاداتها - والتي جندتها إيران في خاصرة الخليج لتكون محطة تفريخ الزعيق والبطش، وسيتذكر أصوات الزعيق والتصريحات التي ظل يهدد ويندد بها علي عبدالله صالح والحوثيون لاستعادة مجد بنوه على كثبان من الرمل وجمعته أمواج الغبار والانتقام، إذ المؤلم أن ويلات الزعيق وآثارها اليوم ما زالت تنجب دولا وأحزابا وجماعات أصبحت علامة تفردها. * الأستاذ المساعد بجامعة الملك فيصل