* أفهم أنّ مفردة خبير آتية من الخبرة بل والخبرة المتراكمة التي تمنح صاحبها هذه الصفة المتميّزة .. ولكن واقع الحال يقول غير ذلك تماماً، فقد أصبحت كلمة خبير تُطلَق على من هبّ ودبّ وبمجرَّد إطلالته التلفزيونية المبجلة على الناس، ولعلّكم تذكرون مثلاً العشرات من خبراء الحرب الذين كانوا يطلّون علينا من شاشة التلفاز ليشنفوا آذاننا بأغرب التحليلات وأعجب التعليلات فيما يخص حرب الخليج الأولى. وكذلك أعادوا علينا الطلّة البهيّة إيّاها في حرب الخليج الثانية، وهم في واقع الحال مجرَّد عسكريين سابقين لربما كانت تحليلاتهم (العظيمة) هي السبب في كلِّ هزائم الأُمّة العربية في كلِّ حروبها إبان كانوا يتسيّدون القيادات بل وحتى إن لم يتسيّدوا شيئاً بل حملوا رتبهم ونياشينهم بحكم الأقدمية لا الخبرة!! وقد كان هؤلاء المحلِّلون أو المضلِّلون، لا فرق، هم الذين كانوا السبب في (غبش) الرؤية العربية في عدم فهم الأحداث والتطوُّرات التي لم تستعد لها الأُمّة، فقد قلبوا الهزيمة إلى نصر والاندحار إلى انسحاب والانسحاب إلى تكتيك .. وهكذا نام المواطن العربي على أذنه حالماً بالنصر إلى أن فتح عينيه المتورّمتين ليجد الجندي الإسرائيلي يقف على رأسه شاهراً عليه السلاح. * * * وتماماً كما أنّ هنالك خبراء حرب فاشلين فإنّ هنالك أيضاً خبراء اقتصاد فاشلين أيضاً يتشبّثون بنظريات اقتصادية هرمة لم تعد في عالم اليوم تغني أو تسمن من جوع، وكذلك هنالك مجموعة من الصبية لم تتعدّ خبرتهم صفحات محاضراتهم الجامعية والذين أصبحوا اليوم خبراء يحلِّلون اقتصاد السوق ويتحدّثون عن حركة الأسهم فيرفعون ما شاءوا ويخفضون ما شاءوا من الشركات .. الأمر الذي أوقع صغار المساهمين الذين ينخدعون بمفرداتهم الاقتصادية بأفدح الخسائر. وهذا النمط العجيب من مدَّعي الخبرة ودعاة التحليل والتعليل هم السبب الحقيقي في اضطراب السوق وتذبذب الأسعار وتأرجح المؤشر كالبندول. وهؤلاء القوم خبرتهم لا تتعدّى معرفة أصحاب القنوات الفضائية بهم ليضلِّلوا المستثمر الفقير وهذا الأمر يستلزم أن تتدخّل هيئة السوق المالية في تحديد قدراتهم وخبراتهم لأنّ الناس عادة أعداء ما جهلوا .. ثم إنّ هنالك فرقاً شاسعاً بين الخبير والخبيث!!