دائماً ما أتساءل: ماذا لو جاء الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في زمن سيطرة الصحوة على المجتمع العربي في التسعينات والعقد الأول من القرن الواحد والعشرين، هل ستكتنف مشروعاته السياسية الفشل مثلما يحصل له الآن؟.. أستطيع أن أجيب على هذا السؤال بقدر كبير من الثقة: كلا.. بل سيكون له من الأتباع والمصفقين الآلاف، وسيكون من الصعوبة بمكان نقده ونقد مشروعه، لأن أمراً كهذا سيعرض صاحبه للتكفير، وربما يُراق دمه مثلما فعلوا مع المرحوم الكاتب المصري فرج فوده. وليس لدي أدنى شك أن أردوغان اليوم تماماً كمن يذهب للحج بعد أن أدى الناس مناسكهم وعادوا من حجهم، فالناس لم تعد مغيبة كما كانت في الماضي، فمشروعه المتأسلم أصبح اليوم مكشوفاً للعوام قبل النخب، ومناصروه هم فقط من فلول جماعة الإخوان المسلمين، الذين خبا نجمهم وأفل تألقهم، بعد هزيمتهم الشنيعة في مصر وفي السودان، وبعد أن تخلت طالبان الأفغانية عن مشروعها التوسعي المتأسلم، بتوقيعها اتفاقية، أو لعلها شبه اتفاقية مع الأمريكيين مؤداها أن تدير للمتأسلمين التكفيريين ظهر المجن، وتُنهي علاقتها بهم. وكان المتأسلمون الصحويون في العقدين الماضيين، هم من يتسيدون الساحة العربية والإسلامية من حيث الشعبية الجارفة، ولم يكن ثمة صوت يعلو على صوتهم، لذلك يمكننا القول: إن المشروع العصملي الذي رفعه أردوغان، جاء في زمن غير زمنه، فقد اكتشف كثيرا من الجماهير الإسلامية (خطورة تسييس الإسلام)، بعد أن جربوا المسيسين هؤلاء، فلم يجدوا فيهم إلا الدماء والقتل والفتن؛ فضلاً عن أن مشروع الخميني في إيران، وهو الجذوة التي أشعلت التأسلم السياسي في نهاية السبعينات وبداية الثمانينيات من القرن المنصرم يسعى بخطى حثيثة إلى الفشل الذريع، فهو الآن قاب قوسين أو أدنى من السقوط. كل هذه العوامل مجتمعه ساهمت مساهمة جوهرية بوقوف العرب في وجه المشروع (العصملي) الذي يبشر بإحيائه أردوغان، أضف إلى ذلك أنه عملياً غرر به الروس، بعد أن خدعوه، واستقطبوه إلى صفهم، وأفسدوا علاقاته بالاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، فلما طلب من الغرب أن يساعدوه في حربه ضد الروس وضد بشار، لم يجد هناك آذناً صاغية، وكأن لسان حالهم يقول: (يداك أوكتا وفوك نفخ)، وتركوه وشأنه لا يدري كيف يواري سوأته. أردوغان تنتهي فترته الرئاسية في 2023، وحزبه، ورفاق دربه مشتتون متخاصمون، أضف إلى أن (فيروس كورونا) سيجعل السياحة في بلاده في الحضيض، والسياحة كما هو معروف من أهم موارد تركيا المالية، إذا غابت فقل على اقتصاده وبالذات عملته الوطنية السلام.. ولا أعتقد أن دويلة قطر ستدعمه هذه المرة، لاسيما أن نجم أردوغان في بلاده بدأ في الأفول. فيروس كورونا سيكون له ضحايا كثيرون، ولا يخالجني أيّ شك أن هذا العصملي القادم من تلافيف التاريخ سيكون أول ضحاياه. إلى اللقاء،،،