قرأت بإمعان ردود الأساتذة الأجلاء على تعقيبي على مقال الدكتورة خيرية إبراهيم السقاف بعنوان (هل الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر؟) كما قدرت للأساتذة والمشايخ الأفاضل غيرتهم المخلصة على السنة النبوية المطهرة والتصدي بشدة لمنكري أي حديث شريف.. إن كان ثمة منكر. ويسرني أن أبدأ فأذكِّر نفسي بالآية الكريمة التي جاءت في سورة الحشر:{وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا} ثم أقول: ما كان لمؤمن أن ينفي حديثاً ثبت عن النبي عليه أفضل الصلاة والسلام.. وأقول موقناً كل اليقين أنه لا اجتهاد مع النص. المؤكد أيضاً: أن أئمة المذاهب الأربعة - رحمهم الله - ما منهم أحد أنكر نصاً قطعياً ولكنهم اختلفوا في فهم النصوص ولذلك جاءت الاختلافات في المذاهب.. وفرق كبير جداً بين مَنْ ينكر نصاً وبين مَنْ يختلف معكم في فهم نص.. وأنا شخصياً - وربما كنت مخطئاً - أحسست أن مقال الدكتورة خيرية كان يقطر يأساً وقنوطاً فبثت شكواها وآلامها بنبرة حزينة جداً فاختلفتُ معها في نظرتها للحياة.. ودعوتها لأن تكون صوتاً مدوياً للتفاؤل وعدم اليأس بل الاعتدال والتوازن.. بلا غرور أو قنوط. تعلمت من قصة قارون الذي أبطره سلطان المال فبغى فوجد من قومه من رده عن بغيه وأعاده إلى النهج القويم الذي لا يحرم الأثرياء ثراءهم ولا يحرمهم الاستمتاع المعتدل بما أنعم الله عليهم من النعم.. إذ قال له قومه: لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين.. وابتغ فيما آتاك الله الدارة الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك. هذا منهج إلهيٌ عظيمٌ.. أمرٌ بالاستعداد للآخرة بعمل الصالحات.. ونهيٌ عن حرمان النفس من التمتع بنصيبك من الدنيا أيها الإنسان.. بل حضٌ وحثٌ وتكليفٌ حتى لا يُفهم الزهد على أنه إهمال للحياة وترك للطيبات من الرزق التي خلقها الله ليستمتع بها خلقه وليعملوا على تحصيلها لتنمو الحياة وتتجدد وتتحقق خلافة الإنسان في الأرض (قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده) فلا استكانة ولا خمول.. لأنه ليس للإنسان إلا ما سعى كما قال سبحانه. تعادل وتوازن وتناسق وانسجام في حياة الفرد يأخذ بيده إلى السمو الروحي من خلال حياة طبيعية لا حرمان فيها ولا إهدار أو إهمال لمقومات الفطرة البشرية السليمة.. وإنما حياة معتدلة بلا إفراط ولا تفريط. وقبل أن أنهي حديثي أود أن أورد حديثين شريفين عن النبي صلى الله عليه وسلم أولهما:(صلوا كما رأيتموني أصلي) والثاني: (... صلوا بالليل والناس نيام).. فِعلا أمر كلاهما بلفظ واحد (صلّوا) الأول للوجوب والثاني لم يفهمه أحد على أنه واجب وإلا لما نام أحد بليل. وختاماً أكرر خالص شكري ووافر امتناني للأساتذة والمشايخ الكرام على حميتهم ونصحهم وإخلاصهم.. ولا أنسى أن أزجي الشكر الجزيل للكاتبة القديرة الدكتورة خيرية السقاف التي لولا مقالها ما كانت هذه الردود والتعقيبات التي أفدتُ أنا شخصياً منها.. ولا شك أن كثيرين غيري من القراء استفادوا كذلك.. والحكمة ضالة المؤمن.. والله من وراء القصد.