سعادة رئيس تحرير جريدة الجزيرة الأستاذ خالد بن حمد المالك وفّقه الله السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد: فقد اطلعت على ما كتبه الأستاذ عبد المحسن بن عبد الله الماضي في صفحة عزيزتي الجزيرة يوم الخميس 6 - 4 - 1427ه عدد 12271 تعقيباً على ما كتبتْه الأخت الكاتبة خيرية السقاف (هل الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر؟). فقد عقّب الأستاذ عبد المحسن عليها تعقيباً جانب الصواب فيه، بكلام يحتاج إلى إيضاح حيث قال (وهي جملة مخيفة إن كانت تعنيها) أي جملة الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر. ثم قال: (وهذه دعوة للانتحار) إلى أن قال: (أمّا المقطع الأخير من السؤال هل الدنيا جنة الكافر؟ .. فهي أيضا مقولة مدحوضة في ذاتها وإلاّ لكفر كل من في الأرض).. انتهى كلامه. ولخطورة هذه الكلمات، ومن باب المناصحة، فإنّني أحب أن أبيِّن للأستاذ عبد المحسن أنّ هذه الجملة (الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر) ليست من مقولات الكاتبة خيرية السقاف، بل هي نص صحيح من أحاديث المصطفى صلى الله عليه وسلم، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر) رواه الإمام مسلم في صحيحه أول كتاب الزهد والرقائق، كما رواه الترمذي في سننه وقال حديث حسن صحيح. وعلى ذلك فلا يجوز لنا أن نصف كلام المصطفى صلى الله عليه وسلم ب(جملة مخيفة) أو (مقولة مدحوضة في ذاتها) فلعلّ الأستاذ عبد المحسن لم يطّلع على ذلك من قبل. كما لا يفوتني أن أذكِّر الأخت الكاتبة خيرية السقاف أنّ مثل هذه الجمل المقتبسة من مشكاة النبوّة حبذا لو نُسبت إلى قائلها حتى لا يحدث لبس عند بعض القرّاء فيتجرؤوا على كلام النبي صلى الله عليه وسلم بغير علم. وللفائدة فإنّ الحديث له عدّة معانٍ منها: 1- إنّ المؤمن حين تخرج نفسه كمثل رجل كان في سجن فأُخرج منه، فجعل يتقلّب في الأرض ويتفسّح فيها. 2- وفي شرح الجامع الصغير أنّ الحافظ بن رجب لمّا كان قاضي القضاة مرّ يوماً بالسوق في موكب عظيم وهيئة جميلة، فهجم عليه يهودي يبيع الزيت الحار، وأثوابه متلطّخة بالزيت، وهو في غاية من الرثاثة والشناعة، فقبض على لجام بغلته، وقال يا شيخ الإسلام تزعم أنّ نبيّكم قال الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر، فأيُّ سجن أنت فيه وأيُّ جنة أنا فيها؟ فقال الحافظ: أنا بالنسبة لما أعدّ الله لي في الآخرة من النعيم كأنِّي الآن في السجن، وأنت بالنسبة لما أعدّ لك في الآخرة من العذاب الأليم كأنّك في جنة، فأسلم اليهودي. 3- وفي شرح صحيح مسلم قوله صلى الله عليه وسلم: (الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر) .. معناه: أنّ كلَّ مؤمن مسجون ممنوع في الدنيا من الشهوات المحرمة، والمكروهة، مكلّف بفعل الطاعات الشاقة، فإذا مات استراح من هذا، وانقلب إلى ما أعدّ الله تعالى له من النعيم الدائم، والراحة الخالصة من النقصان. وأمّا الكافر فإنّما له من ذلك ما حصل في الدنيا مع قلّته، وتكديره بالمنغّصات، فإذا مات صار إلى العذاب الدائم، وشقاء الأبد. فالمنهج الصحيح في النقد لا بدّ أن يُبنى على التثبُّت، والبحث، والسؤال، حتى لا نتجاوز الحدود. والله أسأل أن يوفِّق الجميع لما يحبه ويرضاه. محمود بن عبد الله القويحص مدير مدارس العناية الأهلية/الرياض - حي الملك فهد