لأبي عبدالله المنبجي الحنبلي المتوفى سنة 785ه كتاب لطيف جمعه لتسلية قلوب المحزونين وتفريجاً لكرب الملذوعين سماه «تسلية أهل المصائب»، ذكر فيه أن المصائب على اختلاف أنواعها من موت وغيره من نوائب الزمان خطب موجع وأمر مهول مزعج وردت الأحاديث والآثار لمن أصيب من المقامات وللمحتسب الصابر عليها ببشارة الجنات، ونقل عن بعض السلف قوله: لولا مصائب الدنيا لوردنا يوم القيامة مفاليس، وتحدث المنبجي في كتابه عن الرضا بالمصيبة بأنها منزلة عزيزة، فالعبد قد يصبر على المصيبة ولا يرضى بها، لأن الرضا أعلى من مقام الصبر والشكر أعلى من مقام الرضا، فإنه يشهد المصيبة نعمة فيشكر المبلي عليها، وروى مسلم في صحيحه وأحمد في مسنده عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «والذي نفسي بيده لا يقضي الله للمؤمن قضاء إلا كان خيراً، وليس ذلك إلا للمؤمن إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له»، فأخبر صلى الله عليه وسلم أن كل قضاء يقضيه الله للمؤمن الذي يصبر على البلاء ويشكر على الرخاء هو خير له، وقال أبوالفرج ابن الجوزي: لولا أن الدنيا دار ابتلاء لم تعتور فيها الأمراض والأكدار، ولم يضِق العيش فيها على الأنبياء والأخيار، فآدم عانى المحن إلى أن خرج من الدنيا، ونوح بكى 300 عام، وإبراهيم يكابد النار وذبح الولد، ويعقوب بكى حتى ذهب بصره، وموسى يقاسي من فرعون ويلقى من قومه المحن، وعيسى بن مريم لا مأوى له إلا البراري في العيش الضنك، ومحمد عليه الصلاة والسلام يصابر الفقر وقُتل عمه حمزة وهو من أحب أقاربه إليه ونفور قومه عنه، وغير هؤلاء من الأنبياء والأولياء مما يطول ذكره، ولو خلقت الدنيا للذة لم يكن حظ للمؤمن فيها، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر» فإذا بان بأنها دار ابتلاء وسجن ومحن فلا ينبغي إنكار وقوع المصائب فيها، وختم المنبجي بنقله عن ابن أبي الدنيا هذا الأثر عن مالك يقول: اتقوا السحارة فإنها تسحر قلوب العلماء، يعني الدنيا.