أصدرت دارة الملك عبد العزيز عدداً جديداً من مجلتها الفصلية المحكمة (الدارة)، التي تعنى بنشر البحوث العلمية ذات العلاقة بتاريخ المملكة العربية السعودية وجغرافيتها وآدابها وآثارها الفكرية والعمرانية بخاصة، والجزيرة العربية والعالم العربي والإسلامي بعامة، وهو العدد الثالث من السنة الحادية والثلاثين 1426ه. وجاء العدد خاصاً تحت عنوان (مكةالمكرمة) بمناسبة مكة عاصمة للثقافة الإسلامية 1426ه ونشر في جزأين وحفل العدد بالعديد من البحوث والدراسات، صرح بذلك رئيس تحرير مجلة الدارة والأمين العام لدارة الملك عبد العزيز الدكتور فهد بن عبد الله السماري، حيث قال: إسهاماً من دارة الملك عبد العزيز في مناسبة اختيار مكةالمكرمة عاصمة للثقافة الإسلامية لعام 1426ه فقد خصصت لها مجموعة من الكتب والندوات والمحاضرات الثقافية، بالإضافة إلى إصدار هذا العدد الذي تضمن بحوثاً علمية في تخصصات مختلفة كالتاريخ والآثار والجغرافيا والاقتصاد والعمران. وقال: إن هذه المناسبة تثير تساؤلاً مهماً حول ضرورة إيجاد منهج علمي متفق عليه للمصادر التاريخية لمكةالمكرمة والكتابات والدراسات حولها، ومن هذا المنطلق فإن المجلة تدعو الجهات العلمية والباحثين المهتمين إلى خدمة مصادر هذه المدينة وتحقيق المخطوط منها ونشر الدراسات المتميزة المتصلة بها سواء من الرسائل الجامعية أو غيرها، ولا سيما أن تلك المصادر ذات قيمة علمية تعود إلى أعماق التاريخ، وتؤثِّر في مسيرة الأحداث في مكةالمكرمة في الأحقاب التاريخية المتعاقبة، كما أنها تسلِّط الضوء على فترات مختلفة في تاريخ البلد الحرام لم تحظ بالدراسة والبحث والتحليل. هذا وقد بدأت بحوث المجلة ببحث للدكتور عدنان بن محمد الحارثي عنوانه (دار الندوة في الجاهلية والإسلام: دراسة تاريخية حضارية) مستعرضاً تاريخ تلك الدار التي تعد أول دار أنشئت في بطاح مكة، وقد بناها قصي بن كلاب، وكانت مكاناً في الجاهلية لإدارة الشؤون العامة الداخلية والخارجية، إذ عقدت فيها اجتماعات قريش، والأحلاف والصفقات التجارية الكبرى، وفيها يجري الإعداد للحروب، وبعض المناسبات الاجتماعية، وقد اتخذت في العصرين الأموي والعباسي مقراً لإقامة الخلفاء في مكةالمكرمة إلى عام 231ه وهو تاريخ إزالتها وضمها في التوسعة العباسية للمسجد الحرام. أما البحث الثاني فهو من إعداد الأستاذ الدكتور ناصر بن علي الحارثي وعنوانه (دار الأرقم بن أبي الأرقم المخزومي بمكةالمكرمة: دراسة تاريخية حضارية) وتنسب هذه الدار التي أقيمت عند الصفا لصاحبها الأرقم بن أبي الأرقم المخزومي، وقد تعددت أسماؤها فسميت دار الإسلام، والمختبأ، ودار الخيزران، ونظراً لما كانت تمثِّله هذه الدار من أدوار دينية وحضارية وتاريخية ولقربها من المسجد الحرام فقد عني الخلفاء وأعيان المسلمين بتملكها وشرائها، وقد آلت هذه الدار في عهد الملك عبد العزيز - رحمه الله - إلى مدرسة تعرف باسم دار الحديث. يلي ذلك بحث للدكتور إبراهيم بن عبد العزيز الجميح بعنوان (النشاط التجاري والحرفي في مكةالمكرمة في العصر الأموي من خلال كتاب الفاكهي: أخبار مكة في قديم الدهر وحديثه)، حيث ضمت مكةالمكرمة أسواقاً تجارية عامة، تُباع فيها شتى السلع كالمواد الغذائية والملابس والماشية، كما عرفت فيها أسواق متخصصة تعنى بأنواع منفردة من السلع، وكذلك انتشرت فيها حرف كثيرة ومتنوِّعة مثل العطارة، الصيدلة، الحطابة، وغيرها، وقد تمركزت معظم الأنشطة حول المسجد الحرام. بعد ذلك نجد بحثاً للدكتور محمد بن عبد الله القدحات تحت عنوان (جهود الخلافة العباسية في عمارة الحرمين الشريفين ومشاعر الحج في الحجاز 132 - 656ه) ويستعرض البحث تلك الجهود التي شملت شراء الدور والأراضي المجاورة لهما، وتجلَّت العناية بإصلاح ما اعتراه من خراب فيهما، وفي كسوة الكعبة وتحلية بابها بالذهب، وكذلك ظهرت العناية بتوفير المياه من خلال صيانة بئر زمزم، وحفر البرك، وتجديد العيون. يلي ذلك بحث للدكتور عبد العزيز بن راشد السنيدي وعنوانه (مكة في النصف الثاني من القرن الرابع الهجري: كما وصفها المقدسي في كتابه أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم)، وهو كتاب قد حفل بكثير من الحقائق التاريخية والجوانب الحضارية أشارت بطريقة غير مباشرة إلى المكانة السياسية التي بلغتها مكةالمكرمة خلال النصف الثاني من القرن الرابع الهجري، وتوسع سلطتها الإدارية، كما انفرد المقدسي بالإشارة إلى بعض المعلومات كالإشارة إلى وجود كسوة على مقام إبراهيم. وتحت عنوان (شاهد قبر من أول القرن السابع الهجري لإمام المقام الشافعي بالمسجد الحرام (598 - 604ه): دراسة تاريخية حضارية) يستعرض الدكتور محمد بن هزاع الشهري هذا الشاهد الذي نقش في منطقة الحجاز في عام 604ه، وقد نقش هذا الشاهد بالخطين الكوفي والنسخ، ويشتمل على اسم المتوفى, ونسبه وعمله وتاريخ وفاته، ويكشف النقش بزخارفه وخطه عن المهارات المتواضعة لمن امتهن نقش الشواهد في مكةالمكرمة آنذاك. بعد ذلك يقدم الدكتور مشلح بن كميخ المريخي بحثاً عنوانه (نقش إسلامي يؤرِّخ لتجديد رخام الكعبة المشرَّفة سنة 680ه - 1281م بأمر السلطان الرسولي الملك المظفر) ويعتبر هذا النقش وثيقة تاريخية وأثرية ذات أهمية خاصة، فهو يوثِّق ويؤرِّخ لما قام به السلطان المظفر يوسف بن عمر بن رسول من تجديد لرخام الكعبة المشرَّفة، ويضاف لهذه الأهمية رسم حروف هذا النقش بخط الثلث إبان تلك الحقبة المهمة من تاريخ مكةالمكرمة. يلي ذلك بحث تحت عنوان (نفوذ القُواد العُمَّرَة والحُمَيضَات لدى أشراف مكةالمكرمة 737 - 873ه - 1336 - 1468م) للدكتور عبد الرحمن بن مديرس المديرس، وفي هذا البحث يتم التطرق لتلك الطبقة في المجتمع المكي، التي تأتي في الأهمية بعد طبقة الأشراف، وكان لهؤلاء القواد دور بارز في دعم تعيين بعض الأشراف على إمارة مكة أو نزعها، كما نالوا نصيباً وافراً من الأموال والأتباع والأسلحة، وأسهموا في أنشطة الحياة الاقتصادية وخاصة في مجالي الزراعة والتجارة. بعد ذلك بحث للدكتور عائض بن محمد القرني وعنوانه (دور المرأة المكية في الحركة الفكرية في القرن التاسع الهجري)، حيث يؤكِّد الباحث أن المرأة المكية أسهمت في الحركة العلمية من خلال التأليف والرحلة في طلب العلم ونال كثير منهن الإجازة من علماء الأقطار الإسلامية، واشتهرت بعض الأسر بنبوغ نسائهم في العلم مثل: أسرة آل فهد والطبري وغيرهما، وتعد علوم القرآن الكريم والحديث الشريف واللغة العربية من أبرز المجالات العلمية التي أسهمت فيها المرأة المكية. وفي نهاية الجزء الأول تستعرض الدكتورة عواطف بنت محمد نواب في بحثها الموسوم ب (ملامح من الحياة الاجتماعية في مكةالمكرمة خلال القرن العاشر الهجري في ضوء كتابي بلوغ القرى للعز بن فهد، ونيل المنى لجار الله بن فهد) تستعرض حياة أهل مكةالمكرمة في تلك الفترة، عاشوا فيها حياة اتسمت بالسمة الاحتفالية طوال أشهر السنة فيما عدا موسم الحج، وكان لهم ولع بإقامة الولائم في مناسباتهم المتنوّعة، وبرز تكاتفهم الاجتماعي عن طريق الإعانات المالية التي تبذل لأصحاب تلك المناسبات. أما الجزء الثاني من العدد فيبدأ ببحث للدكتورة نادية بنت وليد الدوسري وعنوانه (التجارة الداخلية في مكةالمكرمة في مطلع القرن الثالث عشر الهجري - التاسع عشر الميلادي من خلال رحلة بركهاردت)، فحيث إن مكةالمكرمة تحتل موقعاً بارزاً على الصعيدين الديني والاقتصادي، فإن ذلك جعلها محط أنظار الرحالة، ومن بينهم بيركهاردت الذي كتب رحلته موضحاً جانباً مهماً مما اشتهرت به مكةالمكرمة وهو التجارة الداخلية وما يتصل بها من أنشطة مختلفة. يليه بحث للدكتور إبراهيم فاعور الشرعة عنوانه (موقف القبائل البدوية من قافلة الحج الشامي والخط الحديدي الحجازي في بداية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين)، فالباحث يوضح أن القبائل البدوية ترى في موسم الحج فرصة للكسب المادي، لذلك فقد أثَّر مد الخط الحديدي الحجازي بين دمشقوالمدينةالمنورة على وضع تلك القبائل فشنت هجمات عليه وسعت إلى تخريبه مما اضطر الدولة العثمانية إلى استخدام القوة في التعامل مع هذه القبائل. أما البحث الثالث فعنوانه (صورة المجتمع المكي في كتابات الرحالة في النصف الأول من القرن الرابع عشر الهجري) للدكتور عبد اللطيف محمد الصباغ، حيث يعتبر الباحث أن كتابات الرحالة شكلت صورة واضحة المعالم للمجتمع المكي، وأظهرت نسيج المجتمع، وألقت الضوء على أنشطته وإيجابياته وسلبياته، كما أوضحت الفوارق بين العهود الثلاثة: العثماني والشريفي والسعودي، حيث ساد الاستقرار والازدهار في العهد السعودي، ونعم الحجاج بالأمن والأمان، واستطاعت مكةالمكرمة في هذه الفترة أن تستوعب عناصر متنوِّعة لتكون في مجتمع واحد. يلي ذلك بحث للدكتور سليمان بن صالح آل كمال عنوانه (بعض علماء مكةالمكرمة وعلاقتهم بالحركة العلمية في الطائف) يرى فيه أن للعلاقة بين علماء مكةالمكرمةوالطائف أثرها في ازدهار الحركة العلمية في الطائف من حيث تدارس هؤلاء العلماء بعضهم مع بعض، وقيام علماء مكةالمكرمة بالتدريس والجلوس للطلبة في بعض مساجد الطائف المشهورة وفي منازلهم في فصل الصيف. أما البحث الخامس من الجزء الثاني من العدد فهو تحت عنوان (التواصل الحضاري بين الحجاز وأرخبيل الملايو: رحلة الحاج عبد الماجد زين الدين إلى الأراضي المقدسة نموذجاً) للدكتور أحمد إبراهيم أبو شوك، موضحاً أن تلك الرحلة التي تمت في عام 1341ه جسدت كثيراً من السمات المتميِّزة للتواصل الحضاري بين الحجاز وأرخبيل الملايو، وقد تجلّت هذه السمات في القيم الدينية والثقافية والاجتماعية كما كان لهذا التواصل أثره على موقف الأرخبيل السياسي من بعض المشكلات السائدة آنذاك. يليه بحث للأستاذ الدكتور محمد محمود السرياني عنوانه (البوتقة المكية وأثرها في صهر السكان: دراسة في الجغرافيا التاريخية للهجرة وتأقلم الجاليات الوافدة إلى العاصمة المقدسة)، حيث يستعرض توافد الهجرات على مكةالمكرمة منذ العصر الجاهلي، التي تنوّعت أسبابها ما بين أسباب سياسية، ودينية، وعلمية، وتجارية، وقسرية متمثّلة في الاستعمار الأجنبي لبعض البلدان الإسلامية، وقد أسهم تطور الهجرات الوافدة في العهد السعودي في زيادة أعدادهم كما أثرت مراحل التنمية العمرانية في صهر الجاليات الوافدة داخل المجتمع السعودي بمكةالمكرمة. بعد ذلك بحث عنوانه (مشاهد وانطباعات وزير عدلية المغرب الخليفي عن الحجاز سنة 1355ه - 1937م) للأستاذ الدكتور محمد الشريف، مستعرضاً رحلة الحج التي رأسها وزير عدلية المغرب أحمد الرهوني التي هيأها الجنرال الإسباني فرنكو لأهداف سياسية، وقد لقي الوفد المغربي الحفاوة والتكريم من قبل الملك عبد العزيز - رحمه الله - ودارت بين الجانبين الرسائل والهدايا، وقد أعجب الوفد بمظاهر التطور والعمران في المملكة كطرق المواصلات والعناية ببئر زمزم، وإنارة الحرمين الشريفين. بعد ذلك يقدِّم الأستاذ الدكتور عادل بن محمد نور غباشي بحثاً بعنوان (لمحات من مظهر التطور العمراني لمكةالمكرمة في عهد الملك عبد العزيز)، موضحاً أن النسيج العمراني في عهد الملك عبد العزيز امتد مقارنة بما كان عليه في العصور السابقة، فوصل العمران إلى مناطق جديدة في الجهات كافة، وقد تبع نمو العمران تطور الشوارع وتوسيعها وتوفير الخدمات لها، كما تواصل الاهتمام بتخطيط مناطق المشاعر المقدسة وتطويرها، كذلك تجلّت العناية بإنشاء المرافق العامة في البلد الحرام، وإنشاء المستشفيات ومراكز الشرطة. يلي ذلك بحث للدكتور عبد الرحمن بن محمد بودرع تحت عنوان (نماذج من اتجاهات العلماء في بيان مكانة مكةالمكرمة) يظهر فيه الباحث اتجاهات التأليف التي تنوّعت في مكانة مكةالمكرمة، فمنها الفقهي، والتاريخي، والمعماري، وقد عني بعض العلماء باستعراض فضائل مكةالمكرمة الدينية ومنهم من أسهم بالترجمة لرجالها ومشاهيرها ومنهم من صنف في أخبارها وأيامها عن طريق منهج الحوليات أو منهج الخطط. يلي ذلك باب الوثائق، حيث نجد في العدد دراستين وثائقيتين الأولى تحت عنوان (قضاة مكةالمكرمة إبان الفترة (1220- 1266ه - 1805 - 1848م) للدكتور محمد علي فهيم بيومي، أما الدراسة الثانية فهي للأستاذ حمد بن عبد الله العنقري تحت عنوان (دراسات وثائقية عن الجزيرة العربية والخليج العربي: 2 - نماذج من عناية الملك عبد العزيز بالحج) يسعى خلاله الباحث إلى تسليط الضوء على بعض النماذج الوثائقية التي تبيِّن عناية الملك عبد العزيز بالحج والحجاج من خلال المجموعات الوثائقية التي تحتفظ بها دارة الملك عبد العزيز.