تلك العبارة المقتضبة القصيرة في مبناها، العظيمة في مضمونها ومعناها هي نص لافتة يحملها طفل فلسطيني خلال مظاهرة كبيرة بعيد قطع المساعدات والمعونات الأمريكية الأوروبية بعد وصول منظمة حماس للسلطة. وهنا يبرز سؤال كبير: لماذا يختار هذا الغلام الجوع ويرتضيه عن البديل الآخر؟ ويأتيك الجواب سريعاً بأن تلك المساعدات مرهونة بالخضوع والاستكانة والاملاءات، فلكي يشبع لزاماً عليه أن يركع. بل إن الواقع يشهد بأنه عطاء لا يصل إلى حد (الإشباع)، لأن هذا الشعب الذي هذا الطفل الجريء من أفراده ربما لا يأتيه من تلك المساعدات سوى الفتات، وأما نصيب الأسد فيستأثر به الأسياد. وقد أبلغت اللجنة الرباعية - التي ترعى عملية السلام - الحكومة الفلسطينية الجديدة أن عليها الاعتراف بإسرائيل إذا كانت تريد ضمان استمرار المساعدات. وهذا بحسب موقع الإذاعة البريطانيةB.B.C وحسب المصدر أيضاً فإن السلطة الوطنية الفلسطينية تتلقى مليار دولار من المساعدات الأجنبية منذ تشكيل السلطة عام 1994م. ومنذ مؤتمر دعم عملية السلام في الشرق الأوسط المنعقد في واشنطن تعهدت أكثر من (44) دولة ومؤسسة بتوفير حوالي (5.7) مليارات دولار. ولغاية عام 2000م بلغ إجمالي المبالغ المدفوعة من الدول المانحة على هيئة منح وقروض حوالي (3.7) مليارات دولار منها (7.3) ملايين دولار قروض ميسرة. وقد خصص للسلطة الوطنية ما نسبته 91% من اجمالي المساعدات والباقي أي ما نسبته 9% خصص للمنظمات غير الحكومية. وهنا يبرز سؤال مهم: ماذا لو تم استغلال وتوظيف تلك الأموال والمساعدات في تأسيس البنية التحتية كالمرافق والمصانع والجامعات؟. ومع هذا فإن تلك الأرقام لا تقارن مطلقاً بحجم المساعدات الأمريكية فقط لإسرائيل حيث تقدر منذ عام 1954م وحتى عام 2003م بأكثر من (107) مليارات دولار. بل إن الحكومة الأمريكية المتعاقبة تتنافس في تقديم الدعم لإسرائيل (الربيبة) على أمل أن تنال منها الرضى والبركة، وباعتبار أن تل أبيب هي القبلة التي يجب أن يحج لها السادة الأمريكيون، وأن معيار نجاحهم هو مدى القبول والاستحسان الذي ينالونه من اللوبي الصهيوني، ولو كان ذلك على حساب الشعب الأمريكي. ومع هذا فيبدو أن ثمة فرقا كبيرا بين المساعدات المقدمة لكلا الطرفي، فلا يشك منصف أن المساعدات الخارجية وخاصة الأمريكية تستخدم كوسيلة ضغط وابتزاز. وكانت النتيجة أن واقع الشعب الفلسطيني على مدى تلك العقود من الزمن من سيئ إلى أسوأ، فلا تسل عن الاغتيالات للرموز والقياديين والمداهمات، والحصار، وهدم المنازل، وتجريف الأراضي، وتفشي البطالة، والأمراض والفقر وغير ذلك. يحدث هذا على مسمع من العالم ومرأى، تتناقل وسائل الإعلام يومياً لا أقول الحقيقة كاملة بل جزء منها، وما خفي كان أعظم ومع ذلك لم تحرك تلك المناظر البائسة ساكناً ولم تغير واقعاً، وكأن الله كتب على أهل تلك البقعة من الأرض الشقاء ما عاشوا. إن اختيار الشعب الفلسطيني لمنظمة حماس تم وفق انتخابات نزيهة بشهادة المراقبين الدوليين، وفق آلية هي منتهى الديمقراطية التي تدعي دول الغرب وأمريكا على وجه الخصوص رغبتها الأكيدة في تعميمها وتطبيقها في كافة دول المنطقة: فلماذا تناقض نفسها؟، أم أن ما تنادي به شيء ورغبات الشعوب شيء آخر. لماذا لا تمنح حماس فرصة لإثبات النجاح أو الرسوب حين تريد أن تنفذ مشروعها الانتخابي الذي رسمته وأعلنته إبان فترة الانتخابات، أم لأن أمريكا قد صنفتها سلفاً ضمن قوائم المنظمات الإرهابية، بل أقول: فات عليها أن تجعلها ضمن (محور الشر)! وهل يا ترى شارون وحزبه وجلاوزته وفق هذا المعيار والميزان العادل، هو من الأبرار أم من الفجار؟ أتراه ظالماً أو مظلوماً؟ والجواب معروف سلفاً. ومن هنا فإن الواجب على الدول العربية خاصة والإسلامية عامة أن تقوم بواجب النصرة وحق الأخوة والعقيدة والقربى، وان التواني في ذلك هو من الخذلان المبين المتنافي مع الأديان السماوية والمبادئ الأرضية. وقد جاء في النصوص الصحيحة الصريحة ما يؤكد هذا المبدأ ويحث عليه قال تعالى: {وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلاَّ عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ}(72)سورة الأنفال، وفي الحديث الصحيح: (المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله) وقال عليه الصلاة و السلام: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد) وللحقيقة والتاريخ فإن مواقف المملكة تجاه القضية الفلسطينية منذ بدايتها إلى هذه اللحظة مواقف مشرفة لا تخفى، بما خصها الله به من مزايا وخصائص دينية وثقل في الأوساط السياسية والاقتصادية، وهذا ما أكده محمود الزهار وزير الخارجية الفلسطينية حسب ما نشرته صحيفة (الرياض) في عددها (13816): (بأن المملكة على رأس الملتزمين بدعم الشعب الفلسطيني). وحسب ما أعلن مندوب المملكة لدى جامعة الدول العربية أن المبالغ التي قدمتها المملكة للسلطة والشعب الفلسطيني تبلغ (977.2) مليون دولار كما تساهم المملكة في صندوق الأقصى والقدس بمبلغ (271) مليون دولار تم دفعها بالكامل. ومع كل هذا فإن ما يحدث في قطاع غزة هو كارثة إنسانية بسبب الحصار الذي تفرضه عليه إسرائيل، وبسبب الإجراءات التي اتخذتها بعض القوى الدولية بإيقاف المساعدات المقدمة للسلطة الوطنية الفلسطينية. فحسب ما اعلنته وكالة أنباء البحرين في موقعها على الانترنت من أن جامعة الدول العربية قد أصدرت بياناً يحذر من وقوع كارثة إنسانية في قطاع غزة في حال مواصلة إسرائيل لسياسة الإغلاق والحصار. وحسب ما أفادت صحيفة (هآرتس) أن تقريراً أعدته وكالات إنسانية تابعة للأمم المتحدة حذر من كارثة إنسانية وشيكة في قطاع غزة وأنه إذا لم يطرأ تغيير جذري على الوضع فإن كارثة ستقع في غزة مثلما حدث في كوسوفو. وتفيد تقديرات البنك الدولي أنه في حال لم يشهد الوضع تغييراً كبيراً فإن الأوضاع الاقتصادية ل (75%) من الفلسطينيين ستتفاقم ليصبحوا دون خط الفقر. وبعد: فإنه حيال هذا الوضع المأساوي والكارثة الإنسانية أوجه دعوة للقيادة الرشيدة في هذه البلاد بسرعة تبني موقف بطولي جديد، ومبادرة عاجلة لإغاثة هذا الشعب الأعزل والوقوف معه في محنته، بالإعلان عن حملة شعبية كبرى لجمع التبرعات على مستوى القيادة والشعب أسوة بما تحقق للمنكوبين من الزلازل والفيضانات والمجاعة، تكون براءة للذمة وإعذاراً للأمة، وبداية لمواقف مشرفة للمسلمين في كافة الدول العربية والإسلامية. كما أدعو إلى عقد قمة طارئة على مستوى دول منظمة المؤتمر الإسلامي وقمة أخرى على مستوى دول الجامعة العربية للخروج بقرارات وتوصيات تخدم تلك القضية التي هي ليست قضية كل فلسطيني فحسب بل قضية كل مسلم على وجه الأرض. [email protected]