لا تزال الجدران صحيفة المراهقين وملاذهم في تأريخ ذكراهم، ومرسمهم المتواضع، فهي بنظرهم أوراق زمانهم ومنتديات لطموحاتهم.. لذلك لطالما تسابق العاطلون مهنياً والمتأخرون فكرياً إلى النيل من الجدران في كتاباتهم، فلا غرابة أن تصبح ظاهرة الكتابة على الجدران ديدن بعض المراهقين ومتنفساً لأمانيهم ومشاعرهم حينما يحسبونها كما شاؤوا وكما أرادوا، سواء شوهت هذه الكتابات حضارة مدنهم أو أنها أنهكت بلدياتها أو أرهقت أصحاب المباني. هذا العمل بالفعل استاءت منه المدن بل استاءت منه الجدران، فالكتابات قد غطت الألوان الزاهية لها وحجبت معالمها الهندسية، وزاد الأمر إلى أن أصبحت جدران دورات مياه المساجد ودورات المياه العامة هي الأخرى ملاذاً لأقلام العابثين والمستهترين.. الأسباب وراء اتجاه المراهقين العابثين للكتابة على الجدران وتشويهها بأدنى العبارات التي لا تدل على سلامة سلوكياتهم وكذلك كيفية معالجة هذه الظاهرة طرحناها في سياق هذا التحقيق فخرجنا بالتالي. مفاهيم خاطئة!! في البداية يقول الدكتور عبد الحميد بن عبد الله الحبيب مدير عام الصحة النفسية والاجتماعية في وزارة الصحة: هذه السلوكيات تعتبر نمطاً من أنماط التعبير الخارجة عن آداب المجتمع، يدفعها قلة التربية أو الإهمال فيها، كما يدفعها التقليد للآخرين من حيث سلوكياتهم وطباعهم وتوجهاتهم، كما يدفعها عامل التنفيس البعيد عن الرادع. وأضاف قائلاً: لعلي أجد أبرز سبب لإقدام العديد من الشباب والأطفال على فعل هذه السلوكيات المشينة أنه لدينا آليات في المجتمع تعتبر مخالفة للواقع مثل (كلما صرت عنيفاً كلما احترمت أكثر) وهذا مفهوم خاطئ بالطبع لكنه مأخوذ ومعمول به لدى من ينتهج هذا النهج، فالصغير يرى هذا النموذج فيتقمص هذه السلوكيات ولا يكترث بأن مجتمعه لا يراها ولا يحبذها بينما نجد أنها توفر له الاحترام والتقدير بين أقرانه. وأضاف: كما أن الكتابة على الجدران تعتبر تنفيساً لأفكار وتعبيرات معينة تأتي على طريقة الرد بكلمات سيئة الهدف منها الاتجاه إلى الآخرين عبر هذه الجدران لعدم وجود الرادع، وأقصد به الوسائل الأخرى؛ ولذلك نجد للأسف كتابات مشينة ومعيبة لا يقبلها الجميع جاءت ردة فعل لم تكن سليمة البتة. ويرى الدكتور الحبيب أن العملية تحتاج إلى وقفة من كافة الجهات الاختصاصية، فالمدرسة لها دور بتوجيه الشباب والأطفال بطريقة الأطروحات المناسبة، كما أن البلديات هي الأخرى مسؤولة بتوجيه أبناء المدن بسلوكيات مغايرة، كالحث على نظافة الشوارع والأحياء وما إلى ذلك، هذا إضافة إلى أن الأسرة مطالب منها دور كبير في تكثيف الأوجه التربوية السليمة. تكاتف القطاعات ويقول المواطن عبد الرحمن السعوي: مصيبة أن تصبح هذه الظاهرة منتشرة في كافة مدن مملكتنا الحبيبة لتصبح صورة غير مقبولة في موطن الإيمان والهدى، وذلك أن ما يصاغ على الجدران من كلمات وعبارات لا تتوافق وآداب ديننا ومجتمعنا الإسلامي، وحقيقة أستغرب أن تطول هذه الظاهرة الجيل الحالي الذي أرى أنه استفاد من تطور التعليم والثقافة. وأضاف: الكتابة على الجدران عملية غير مقبولة البتة وتحتاج إلى اهتمام إعلامي بالغ وذلك بتناول جوانب الموضوع والأسباب المؤدية إلى اتجاه الشباب إلى هذه الظاهرة، وكذلك تناول طرق العلاج بطرح ثري يهدف إلى التوعية، كما أنها تحتاج إلى قيام الجهات الحكومية المختصة مثل التعليم والشرطة والبلديات بحملات تثقيفية وإسهامات في دعم مشروع لطمس الكتابة يحمل عنوان (مدينتنا بلا كتابة تصبح جميلة). درء المفاسد ويرى المواطن إبراهيم الخضيري أن هذه الظاهرة بدأت تتفشى في المجتمع السعودي لتصبح عملية مستهواة لدى المراهقين الذين اعتادوا استمراريتها جيلا بعد جيل، ذلك أن عملية التقليد أصبحت ديدن كل جيل لا سيما حينما تكون القضية التعريف بالذات أو الكيان. ولا شك أن المجتمع برمته مطالب بمواجهة هذه الظاهرة عن طريق التوعية والمبادرة بمشروع طمس كل الكتابات التي بالفعل شوهت المدن، فلا غرابة أو استحالة أن تتولى مجالس الأحياء هذه العملية، منها أن يتم إخفاء الكتابات ومنها توعية الأطفال والشباب برفض المجتمع لهذه الظاهرة وللواقعين فيها. ويشاطر الخضيري رأيه عبد المجيد المطوع الذي ينادي بأن تكون هذه المبادرة مدعومة من أمانات المناطق وإدارات التربية والتعليم والأجهزة الأمنية كي تصبح العملية جوهرية في تأدية رسالتها للحفاظ على قيم المجتمع ودرءا للمفاسد التي تطول المواقع الرسمية والمساكن والمساجد وتطول مشاعر الناس. وقال: المهم في العملية كلها الإحساس بعظم هذه الظاهرة والإحساس بأهمية العمل على القضاء عليها؛ لأن هذه الظاهرة من شأنها الحد من ثقافة أجيالنا، فقد تتجاوز العملية لديهم من الكتابة على الجدران إلى سلوك طرق أخرى ينبذها المجتمع أيضا، ولذلك نجد أن المجتمعات الراقية دائماً ما تسعى إلى تطوير وسائل التثقيف لإدراكها بالمردود الإيجابي من ذلك عليها مستقبلاً. مخاوف ومحاذير كما حذر المواطن محمد العيدان من تفشي هذه الظاهرة حتى تصل الجيل القادم الذي بات يشهد انفتاحاً ثقافياً غير مسبوق حينما يوجه أفكاره وآرائه للجدران ليعبر فيها عما يشير إلى مفاهيم خاطئة مكتسبة قد تسهم في انتشار كتابات تسيء للدين وقيم المجتمع مثل تشجيع شخصيات غير إسلامية والتنادي بإظهار المواسم غبر المباحة. وقال هذا متوقع، ما دمنا نقرأ عبارات سيئة كتبت في جدران الأحياء مثل (أهلاً فأنت في بانكوك) أو (شارع التفحيط) أو (شارع الموت) وهذه العبارات من شأنها أن تزيد من حماس المراهقين الذين يرون في التفحيط أو السرعة الجنونية قيمة لذاتهم حينما يجدون التشجيع من أقرانهم، ولذلك فإن العملية تحذرنا من مستقبل مخيف وغامض ما لم نتدخل ونصلح الأوضاع بطرق حديثة مبسطة تنير بدورها عقول الشباب والمراهقين بالذات. أسباب نفسية وتحدث الأستاذ محمد عبد الله الأحمري قائلاً: إن ظاهرة الكتابة على الجدران وعلى اللوحات الإرشادية تعود لعدة أسباب منها الفراغ الذي يجده المراهقون وبعض الشباب، وكذلك عدم إدراك المسؤولية، وعدم تقدير ما تقوم به الجهات المسؤولة، وهناك أسباب نفسية يعيشها الشباب، وأهم سبب هو ضعف الوازع الديني وعدم وجود هدف لأغلب الشباب. ويرى الأستاذ سامي السويهري أن ما يكتب على اللوحات الإرشادية عبث وقلة وعي، أضف إلى ذلك قلة التوجيه والإرشاد سواء في المدارس أو المنازل، وكذلك عدم وجود الرادع المناسب لمثل تلك التصرفات، ولا أنسى أن أضيف أن هناك ضعف الوازع الديني وعدم مراعاة ذلك عند الكتابة، وعدم الأخذ بالحديث عن المصطفى صلى الله عليه وسلم حين قال: (إماطة الأذى عن الطريق صدقة) والكتابة على اللوحات الإرشادية أذى مباشر على مرتادي الطريق. وجهة النظر الشرعية!! وعن وجهة النظر الشرعية قال أحد المشايخ: غالباً ما تكون أسباب الكتابة على الجدران موروثات نفسية واجتماعية أثرت على الشخص ودفعته إلى فعلته، ومن ذلك مثل القسوة المفرطة من الأهل والعقاب البدني في المدارس، والنيل من بعضهم بالسخرية ثم ضعف أثر الإرشاد الاجتماعي في تفهم مشكلات الطلبة ومنعهم من إبداء الرأي، ولوسائل الإعلام دور مكثف في تهييج العواطف وتأجيجها من خلال الأغاني العاطفية مما جعلها الثقافة الوحيدة لهذا الجيل، وفي الوقت نفسه نجده ضعيفاً في التوعية للمحافظة على الممتلكات العامة. وأخيراً ضعف الوازع الديني والانتماء الوطني. وهذا كله ينتج شحنات نفسية تحتاج إلى تفريغ انفعالات ومشاعر ربما لا يجد سوى الجدران وسيلة لذلك أشخاص مهيؤون للعب هذا الدور، وعن العلاج قال: بتكثيف التوعية الدينية والبيئية وملء الفراغ ببرامج نافعة، والتعاون من قبل المؤسسات كالمدرسة والجامعة مع الأسرة وعقد اجتماعات توعية للأسرة من قبل أهل الخبرة في عالم التربية والنفس والاجتماع لوضع خطط توعية وبرامج مواجهة وعملية للحد من هذه الظاهرة، ودور الإعلام دور مركز وضروري لتوجيه الشباب لخير دنياهم وآخرتهم وبناء المواطن الصالح في نفوسهم. من جانبه قال الشاب عبد الله صالح البسام يجب على الجميع التصدي له ومحاربته كل في مجاله.. فالمعلم في مدرسته والكاتب في صحيفته والخطيب فوق منبره.. يجب عليهم محاربة هذه الآفة الخطيرة وبيان قبحها وضرر المجتمع منها.. ففرق بين جمال مدينة خلت جدرانها من هذه الكتابات فأصبحت جميلة نظيفة في شكلها وأسوارها.. ومدينة تلطخت جدرانها بكتابات وألوان تحمل عبارات قذرة وسيئة أحياناً أخرى وصوراً وتعليقات تنم عن سوء أخلاق من قام بكتابتها. لذا يجب علينا معشر الشباب أن نقف جميعاً أمام هذه الظاهرة ونحاربها لتبقى مدينتنا جميلة وتصرفاتنا سليمة وأخلاقنا عالية وعن فعل مثل هذه الأمور والتصرفات مترفعة ولهذه الظاهرة الهوجاء محاربة. من جانبه تحدث الشاب ممدوح هليل المطيري قائلاً: ربما يعتبره البعض هواية أو تنفسيا عن مشاعر داخلية بالكتابة على الجدران.. فلو تساءلنا: هل هذا الكاتب يستطيع أن يكتب على جدار بيته؟ بالطبع سيقول: لا أرضى، فلو فكر قليلاً هل الذي يكتب على منزله سيكون راضياً؟ أليس الدين الإسلامي حث على أن تحب لأخيك ما تحب لنفسك، حيث قال الرسول صلى الله عليه وسلم (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه) فأين الحب لأخيك المسلم؟ سيقول بعضهم: إننا لا نكتب على جدران إخواننا المسلمين، بل إننا نكتب على الحدائق العامة والأماكن التي خصصتها الدولة لنستمتع بها. أهكذا يقولون إن الدولة عندما خصصتها لو تعملها للكتابة عليها وتشويهها، ألم يتبادر إلى ذهنك أن الأجانب يأتونك ليروا مدينتك فيجدون هذه الكلمات تشوه المناظر الجميلة التي كانت مدينتك تفتخر بها فيعودون إلى بلادهم قد خاب أملهم فيما كانوا يسمعونه عن هذه المدن الجميلة.. ألم نتساءل حيث يقولون: إننا نكتب ذكريات أو هوايات على هذه الجدران، ألم يحسوا بالأمانة عندما يكتبون في أماكن نجسة (أكرمكم الله)؟ أهذا ما يسمونه هواية؟