عجيبة هذه القلوب التي بين جوانحنا.. تمتص من الصدمات حتى تهرم.. يظن الأقربون أن القلوب الواسعة التي تستوعب كل الحماقات وتمتص غضباتهم قلوب بلا كرامة، فيكيلون لها الركلات ويشددون الوطأة.. آآه، ليتهم يدركون أننا فقط نحبهم ونغفر لهم!!ذلك الزفير القاتل الذي لا تخلو منه رئة محب ولا قلب مخلص صادق هو في الحقيقة هاجس يجعل القلوب نبضاً يتسارع مع الأحداث.. يخيل إليك أحياناً أن قلبك الصغير (الكبير) تحوَّل إلى عصفور صغير يرفرف بجناحيه الكسيرين من سكرة الموت؛ يبحث عن رمق حياة يتمسك به فلا يجد إلا الجراح.. تسارع بيديك المفجوعتين كلتاهما إلى صدرك وتضم قلبك بعمق خشية أن يطير من بين الأضلع.. تضيق هذه البسيطة حتى لكأنك تجد مع النفس وخزاً يشقيك شهيقه، ويقتلك زفيره، فتخفض من أنفاسك خشية الألم، نرتع في هذه الحياة وخلف الخطى؛ نطبطب على هذا، ونقف مع ذاك، ونصنع من أجسادنا درعاً لهم، وتأتينا الطعنة منهم قاسية عظيمة تنهك كل عطاءاتنا وتسحق الأمل. عجيبة هذه القلوب القابعة في حنايا الأضلع لتحمل الصدمات وتمنح الجسد الحياة ولا تبالي، نبحث عن الحياة مع كل خفقة، وتقتلنا الحياة من البطين إلى البطين، نساوم على البقاء ولا يمنحنا البقاء إلا مساحة من الحزن والأسى.. ماذا نريد.. وعمَّ نبحث.. لا شيء!!! إننا فقط هنا نؤدي مجرد وظائف خلقنا من أجلها.. لا نملك تغييرها.. أو تبديلها.. أو حتى حق المتعة بها.. نتساءل كثيراً عن بعض القلوب التي لا تهز الجسد وقت الألم.. أهي قلوب أم أنها حجر.. تمر عليهم السهوم القاتلة، وتطعنهم الأحداث المضنية، وتكسر أجنحتهم عاصفة الحياة العاتية؛ وتقف قلوبهم في وجه التيار صاخبة قاسية لا تتجاوب مع الأحداث لا تهزها دمعة قلب مرهف.. من أين لهم هذا.. وهل هي تلك القلوب التي وصفها الله بالهينة اللينة التي تقطر رحمة وتمتلئ إحساساً.. نتساءل بعجب ونحن في الحقيقة نقول: لماذا لسنا مثلهم على الأقل في تحمل الصدمات؟!! ولكن هؤلاء يموتون على فراش المرض؛ لأن أقسى أنواع المرض هو قسوة القلب.. أما أولئك الذين يبكون من أجل الآخرين فيموتون كالشجر وهم وقوف؛ لأن في أعماقهم قلوباً صادقة تجعلهم ينتصبون خط دفاع للأحبة.. فهل بعد هذا الحديث كلام يقال.. نعم يبقى دَين في أعناق الأحبة أن يحافظوا على هذه القلوب التي خلقت لأجلهم، وألا يمارسوا عليها ضرب السياط ظناً منهم أنها لا تستجيب للألم.. فهي فقط من أجلهم تتحمل، ومن أجلهم تموت.. ومن أجلهم تبحث عن الحياة.