دخل الى عيادة القلب شاب في غرة الثلاثين من عمره اتاه الله بسطة في العلم والجسم وعند جلوسه قال : يادكتور انا كان عندي قبل سنتين خفقان في القلب يجيني على شكل متقطع (يروح ويجي) ويكون مصحوبا بدوخة... وعند اجراء الفحوصات في إحدى المستشفيات اتضح لي اني مصاب بحالة نادرة تسمى (ARVD) البطين الايمن المبتسر وتم التأكد من ذلك بإجراء الاشعة المغناطيسية للقلب ......وقام الطبيب بوضع جهاز منتج للصدمات الكهربائية ICD في القلب ....(ومن ذاك الحين وانا ماني بخير؟!) ..... اصبحت يادكتور اشتكي من خفقان متقطع واصبحت اشتكي من آلام في صدري وضيقة في التنفس وتعرق مع تسارع في نبضات القلب .... وفي احدى المرات كنت العب كورة ...ونفضني بصعقة كهربائية بدون مقدمات سقطت منها على الارض......وتألمت منها كثيرا ثم تتالت الصعقات الكهربائية بدون توقف واجتمع علي الناس وحضر الأسعاف وذهبوا بى الى المستشفى وطلع في النهاية انه متعلق ببرمجة الصاعق الكهربائي ..... ويكمل الشاب لقد انقلبت حياتي رأسا على عقب بعد زرع هذا الجهاز فصرت ارى ملك الموت في كل لحظة أعيشها ... وفي كل طريق امشيه .......ومع أني مسلم وأعرف ان الموت حق ولكني لاأريد ان أعيش هاجس الموت ليل نهار....أو أن أتألم بالصعقات الكهربائيه بدون مقدمات .... ولذلك فإني اريد ازالة الجهاز مهما كان الثمن ولو كان حياتي لأنه ببساطة الحياة التي اعيشها حاليا مالها أي طعم !! لقد رأيت السيناريو اعلاه في اكثر من حالة ولذلك وجب توضيح نقاط مهمة للسادة القراء: صورة توضح طريقة عمل الجهاز في ايقاف تسارع القلب البطيني اولا: رجفان القلب البطيني وتسارعه من المضاعفات الخطيرة لامراض متعددة تؤثر على القلب منها المؤقت والذي يزول بعلاج السبب الاساسي لها مثل : نقص التروية والنقص الشديد لاملاح معينة في الدم ...ومنها ماهو الدائم مثل تضخم عضلة القلب المحدود بين بطيني القلب وكذلك ضعف عضلة القلب تحت 30% وكذلك حالة الشاب المذكورة اعلاه ...... وخطورة الرجفان البطيني تكمن في توقف القلب والوفاة المفاجئة ......ومن اكثر الطرق فاعلية لعلاج الرجفان البطيني هو الصدمة الكهربائية التي تكون فورية في حال زرع الجهاز ICD حيث يعطي صدمة كهربائيه للقلب في حدود 35 جول لايقاف الاختلال الكهربائي (وهو مايساوي 750 فولت) وهو يزرع فوق الثدي الايسر وتوصل الاسلاك في الوريد الى البطين الايمن وتثبت بجدار البطين بل إن الابحاث الحديثة تركز على تطوير جهاز من دون توصيلات كهربائية لتفادي الاعطال المتكررة بسبب مشاكلها الفنية . صورة تعبيرية توضح حجم الجهاز. ثانيا: الصاعق الكهربائي لايمنع من الوفاة كما يتداول بعض العامة لأنه لايحيي ولايميت الا ذي المعارج الواحد القهار سبحانه وانما هو سبب من الاسباب حيث اوضحت احدى الدراسات الطبية AVID ان بعد النجاة من توقف القلب المفاجئ فإن نسبة الوفاه خلال ثلاث سنوات بعد استخدام الادوية المضادة لاختلال القلب حوالي 36% و باستخدام جهاز الصدمات الكهربائي 25% فكما يتضح ان الاخير اكثر فاعلية في منع توقف القلب من سابقه . ثالثا: من المعروف ان حوالي 20-35% (نسب مختلفة على حسب مجموعة المرضى الذين اجري عليهم البحث في الدراسات الطبية المختلفة ) من المرضى الذين يزرع لهم الجهاز يعانون من اعراض نفسية متعددة من الاكتئاب والقلق بعد زرع الجهاز خصوصا في مجموعات معينة فمثلا : من كان لديه قلق نفسي قبل زرع الجهاز ومن استقبل صعقات كهربائية متعددة .....وهذه الاعراض النفسية قد تكون شديدة لدرجة ان بعضهم يضطر لتناول ادوية نفسية ... و الحق يقال ان هؤلاء المرضى ايضا يتعرضون لضغوط نفسية كبيرة ليس فقط بمفاجأة الصعق الكهربائي وانما ايضا هل ينجح الجهاز في ايقاف اختلال نبضات القلب فينجو المريض ام لا فتكون القاضية؟ وكيف سيكون مستقبله ؟ وهل يستطيع الزواج وتكوين أسرة ؟ وهل يخبر زوجة المستقبل عن ذلك ؟ فالانسان ضعيف وجزوع مهما كان عرقه او دينه اوعلمه او سلطانه .... ولذلك يصعب فصل هذه العوامل بعضها عن بعض في نفس المريض وبهذا كان الخلاف في الدراسات الطبية في هذا الموضوع. رابعا: ان الصعقة الكهربائية يصفها المرضى بأنها قوية ومؤلمة "ومتوسطة الى شديدة " مثل ركلة سريعة في الصدر ويصفها بعض المرضى بحوالي مقدارست درجات من عشرة تقريبا ( اذا كان صفر :ليس هناك ألم و 10 اشد ألما ممكن ان تتعرض له في حياتك) وفي المقابل فإن 75% يقولون بأنها "من الممكن احتمالها في مقابل انها تنقذ الإنسان". خامسا:مما يخفف حدوث الصدمات الكهربائية وبالتالي الاعراض النفسية التابعة هو محاولة تسمى ATP وهي اختصارا تعني زيادة سرعة نبضات البطينين في سبيل ايقاف الاختلال الكهربائي.....و ليس لدينا دليل علمي محكم يؤكد زوال هذه الاعراض النفسية بعد ازالة الجهاز من المريض للأسباب التي ذكرناها بالتفصيل أعلاه. سادسا:لقد احدث اختراع جهاز الصدمة الكهربائية طفرة نوعية في علاج حالات تسارع القلب البطيني والرجفان البطيني وهو ايضا فعال ويستأهل ثمنه بجدارة لأن حياة الانسان لاتقاس بثمن نهائيا ولكنه ليس بدون اوجه نقص ومضاعفات محتملة كأي جهاز اخر وهو كما قال مخترع الجهاز (برنارد لون) في المجلة الدورية الامريكية لامراض القلب (هذا الجهاز يمثل حلا غير مكتمل في سبيل البحث عن حل عملي ومقبول لهذه المشكلة) والخلاصه أنه من حق المريض على الطبيب قبل تركيب جهاز الصاعق الكهربائي للقلب ان يعرف بالتفصيل الدقيق المضاعفات المحتملة سواء على المدى القريب او البعيد والاعراض المصاحبة لتركيب الجهاز وان كانت نادرة ....كذلك من حق المريض نزع الجهاز متى ماراد بدون مساءلة او تردد من الطبيب ....وكذلك من حق المريض ان يدعمه الطبيب نفسيا للتعامل مع الصدمات قبل حدوثها ويشرح له كيف يتعامل معها ويكون تركيزه على طريقة تنفسه وليس على الصدمة الكهربائية في حد ذاتها وينظر الى الجانب الايجابي في ذلك الحادث (وهو نجاته!!)... ومما يخفف معاناة هؤلاء المرضى كذلك هو جلوسهم وتحدثهم مع مرضى آخرين لديهم نفس الجهاز ويتبادلون تجاربهم ومعاناتهم .