كلنا نؤمن بقضاء الله وقدره وما يختاره الله لنا في هذه الدنيا فالجميع ينتظر أجله ليرحل من هذه الحياة الدنيا ولسنا بذلك من أهل الاختيار، فالإنسان لا يعلم مصيره ورزقه؛ قال تعالى: {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ}، فإن النفس خطبها عظيم ومصابها جلل بفقد الأحبة والآباء والإخوان وكل منهم له قدر بالمحبة والاحترام في حياته والدعاء له بالمغفرة والرحمة بعد مماته. قال الشاعر: كذا فليجل الخطب وليفدح الأمر فليس لعين لم يفض ماؤها عذر فالجميع راض بقضاء الله وقدره لكن الإنسان يفجع ويذهل بهول الخبر أو بحجم المصيبة إذا تلقى نبأ بوفاة أب له أو صديق أو أخ عزيز، وتكبر المصيبة إذا كان ذلك الشخص أخا وصديقا وجارا لك عزيزا؛ لأنك في كل صلاة تراه ذاهبا أمامك أو يكون بجانبك في المسجد الذي في الحي الذي تسكنه، وحينما تخرج من أداء الفريضة تجده يعانقك ويسأل عن حالك ولا سيما إذا كنت لا تجد منه سوى النصيحة والذكر الجميل لبعض الإخوان والأمنيات الجميلة في هذه الحياة، مبتعدا كل البعد عن أعراض الآخرين، وإذا أحس بفقدك يسأل عنك بطرق مختلفة ليلتمس أخبارك ويطمئن على حالتك، وإذا كان مسافرا لقضاء حاجة أوصاك على بيته، فالسطور والحديث عن هذا الأخ العزيز لا تتسع له الصفحات ولن يتوقف القلم عن سيرته الطيبة ولن أفيه حقه، إنه الأخ الفقيد عبد العزيز جريد الجريد الذي وافاه الأجل مع نهاية العام الهجري المنصرم.رحل وذهبت معه آخر ورقة من ورقات العام الهجري فأصبحت تلك الورقة تخفي بداخلها حزنا أليما وخبرا موجعا فأقول: كيف لا أحزن وقد مزقت ورقة عام مضى وانطوت منه صفحة من صفحات عمري؟ هيهات هيهات أن يعود ذلك اليوم بما فيه من حزن وألم قد أصابني والآخرين من أهل الحي لفقد ذلك الجار العزيز الذي لفظ أنفاسه ورحل إلى جوار ربه مودعا لنا ومودعا للحياة كلها. فأقول: وداعا لك ووداعا للعام المنصرم والدموع تترقرق في عيني والحزن يملأ فؤادي لفراقك يا عبد العزيز؛ فقد عرف عنه التواضع والتسامح وحسن الخلق والتعامل مع الآخرين، سواء كانوا شيبا أو شبابا أو صغارا، فهنيئا له تلك الخاتمة الحسنة التي طالما يتمناها كل إنسان فقد كان عائدا من بيت الله الحرام حاجا راجعا كيوم ولدته أمه. فلا أستطيع إلا أن أقول كما قال الرسول - صلى الله عليه وسلم -: (وإنا على فراقك يا إبراهيم لمحزونون)، فكم تمنيت أن أكون شاعرا أو أكون كاتبا لكي أسطر فيه بعض الكلمات التي قد تفيه حقه والدعاء له، ولكن سأستشهد ببعض الأبيات التي فيها شيء من الحكمة، وأن الدنيا دار ممر والآخرة دار مقر؛ قال الشاعر: حكم المنية في البرية جار ما هذه الدنيا بدار قرار طبعت على كدر وأنت تريدها صفوا من الأقذار والأكدار فالعيش نوما والمنية يقظة والمرء بينهما خيال سار فاقضوا مآربكم عاجلا إنما أعماركم سفرا من الأسفار ليس الزمان وإن حرصت بسالم خلق الزمان عداوة الأحرار فلقد ذرفت الدموع على فراقه وأدعو الله سبحانه أن يختم لنا عامنا هذا بالحسنات ويغفر لنا السيئات ويجعل عامنا الجديد عام فرح وسرور على الجميع، ويغفر لإخواننا الذين سبقونا وأن يسكنهم فسيح جناته ويلهم أهلهم وذويهم الصبر والسلوان وإنا على فراقك يا عبد العزيز لمحزونون.