إن من سنن الله عز وجل ابتلاء عباده بالخير والشر وبالغنى والفقر والصحة والعافية وبالموت والحياة. وذلك كله لحكم لا يعلمها إلا الله عز وجل. وهو القائل: {وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ}. ألا وإن من أكبر المصائب وأعظم الفواجع فقد الكرام والأفاضل من الناس وخصوصاً إذا كان ذلك على حين فجأة من الزمان. ولمثل هذا المصاب حق للدمع أن يسيل وأعذر فيه بالوجد الشديد والعويل. وكما قال الأول: حكم المنية في البرية جاري ما هذه الدنيا بدار قرار طبعت على كدر وأنت تريدها صفواً من الأكدار والأقذار فالعيش نوم والمنية يقظة والمرء بينهما خيال سار فاقضوا مآربكم عجلاً إنما أعماركم سفرٌ من الأسفار وفي ضحى يوم الأحد الثامن والعشرين من شهر ذي القعدة 1425ه فجع الجميع في محافظة حوطة بني تميم وما جاورها بوفاة الأخ الكريم عبد العزيز بن سعود بن عبد العزيز الحجيلان عن عمر ناهز السادسة والعشرين إثر حادث مروري أليم على طريق الرياض - الخرج. ولا شك أن من صفات المؤمن التسليم الكامل والإيمان المطلق بما سطره الله في اللوح المحفوظ، فالحمد لله على قضائه وقدره وله ما أخذ وله ما أبقى.. ألا وإن القلب ليحزن وإن العين لتدمع ولا نقول إلا ما يرضي ربنا. وإنا على فراقك يا عبد العزيز لمحزونون فإنا لله وإنا إليه راجعون. كيف لا.. والموت حق كتبه الله تعالى على كل حي في هذه الحياة الدنيا، فيقول عز وجل {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ}.. بل وإن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر بالصبر عند المصائب والثبات حال البلاء, وتذكر المصاب بوفاته عليه الصلاة والسلام حيث يقول: (إذا أصاب أحدكم مصيبة فليذكر مصيبته بي فإنها أعظم المصائب). أصبر لكل مصيبة وتجلد واعلم بأن المرء غير مخلد فإذا ذكرت مصيبة تسلوبها فاذكر مصابك بالنبي محمد وإن ما يخفف من وقع المصيبة على الإنسان حينما يكون من قضى الله عليه بالموت قد عرف بالخصال الكريمة والسجايا الحميدة. وقد عرف الفقيد بالأخلاق الفاضلة والوفاء والنبل والتواضع الجم ولين الجانب وأعمال الخير والدلالة عليها. بل وقد كان محبوباً من جميع من عرفه وجالسه، حيث جعل الله له المحبة في قلوب الجميع، فبكت لفقده العيون وحزنت من أجله القلوب وتألمت لرحيله النفوس، ولعل هذا يكون سابق بشرى المؤمن عند ربه جل وعلا. وقد كان آخر لقاء لي مع الفقيد في ليلة السبت، أي قبل وفاته بيوم واحد، ودار بيننا حديث دافئ تطرقنا فيه لعدة أمور وكان من أهمها ما أصاب بعض إخواننا المنكوبين في شرق آسيا إثر الفيضان المدمر هناك، وبعد ذلك ودعنا في آخر لقاء أخوي معه في هذه الدنيا. وبعد خروجي من المكان الذي جلسنا فيه سويا، فإذا برسالة مفاجئة تأتيني منه عبر الجوال وهو يقول فيها: (اللهم يا باسط الأرض، ويا ناصب الجبال, ويا منزل الغيث ومجري الأنهار، ويا مطعم الجنين في ظلمة الأرحام، ويا رازق الطير في الأوكار، اجعل لقارئها (يقصد الرسالة) دعوة لا ترد، وهبه رزقاً لا يعد، وافتح له باباً إلى الجنة لا يسد، آمين.. آمين). نعم كان ذلك آخر لقاء معه وآخر حديث معه. وكأنه يحس بساعة الوداع والفراق. فأرسل تلك المشاعر الفياضة والدعوات المؤثرة والتي تركت في نفوسنا جميعاً أشد الألم وأكبر الأسى في فقد هذا الأخ الكريم. ونحن إذ نودّع أخانا فإننا لا نملك إلا الدعاء له والتضرع لله رب العالمين: فاللهم اغفر له وارفع درجته في المهديين واخلفه في عقبه في الغابرين. واغفر لنا وله يا رب العالمين وافسح له في قبره ونوّر له فيه. والله اعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.